للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وهو يتبصبص؛ أي: يضطرب ويحرك الذنب، فأخذه ورده إلى وكره، فرحمه الله تعالى لذلك، ورد عليه يده بما صنع، والوكر: بفتح الواو، عش الطائر.

والمعنى (١): أي الله يصطفي من يشاء من عباده، ويقربهم إليه تقريب الكرامة، ويوفق للعمل بطاعته، واتباع ما بعث به نبيه - صلى الله عليه وسلم - من الحق، من راجع التوبة من معاصيه.

١٤ - ثم أجاب عن سؤال قد يخطر بالبال، لماذا صار الناس متفرقين في الدين، مع أنهم أمروا بالأخذ به، وعدم التفرق فيه، فقال: {وَمَا تَفَرَّقُوا}؛ أي (٢): وما تفرقت اليهود والنصارى في الدين الذي دعوا إليه، ولم يؤمنوا كما آمن بعضهم في حال من الأحوال، أو في وقت من الأوقات {إِلَّا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ} بحقيقته؛ أي: إلا حال مجيء العلم. أو إلا وقت مجيء العلم بحقية ما شاهدوا في رسول الله - صلي الله عليه وسلم -، والقرآن من دلائل الحقية، حسبما وجدوه في كتابهم، أو العلم بمبعثه {بَغْيًا بَيْنَهُمْ}؛ أي: ما تفرقوا إلا لأجل البغي والعدوان، على محمد - صلى الله عليه وسلم - والحسد له، فيما بينهم لابتغاء طلب الدنيا، وطلب ملكها وسياستها وجاهها وشهرتها، وللحمية الجاهلية؛ لأن لهم في ذلك شبهة، كما يدل عليه قوله: {وَمَا تَفَرَّقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ إِلَّا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَةُ (٤)} وقيل: المراد بهم: كفار قريش، تفرقوا بعدما جاءهم العلم، وهو محمد - صلى الله عليه وسلم - بغيًا منهم عليه، وحسدًا له فيما بينهم، وكانوا يقولون فيما حكاه الله عنهم، بقوله: {وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لَئِنْ جَاءَهُمْ نَذِيرٌ} الآية، وقيل: المراد بهم: كفار الأمم الماضية، وأنهم فيما {بَيْنَهُمْ} اختلفوا لما طال بهم المدى، فآمن قوم وكفر قوم.

والمعنى (٣): أي وما تفرقت الأمم إلا من بعدما علموا، أن الفرقة ضلالة، وقد فعلوا ذلك بغيًا وطلبًا للرياسة، وللحمية حمية الجاهلية، التي جعلت كل طائفة تذهب مذهبًا وتدعو إليه، وتقبح ما سواه طلبًا للأحدوثة بين الناس،


(١) المراغي.
(٢) روح البيان.
(٣) المراغي.