بمعنى الاصطفاء لا يتعدى بإلى إلا باعتبار تضمين معنى الضم والصرف.
والمعنى: الله سبحانه يجتلب إلى ما تدعوهم إليه من يشاء أن يجتلبه إليه، وهو من صرف اختياره إلى ما دعي إليه {وَيَهْدِي إِلَيْهِ}؛ أي: إلى الدين بالإرشاد والتوفيق، وإمداد الألطاف {مَنْ يُنِيبُ} ويقبل إليه؛ أي: يوفق لدينه ويستخلص لعبادته من يرجع إلى طاعته، ويقبل إلى عبادته. ويجوز (١) أن يكون الضمير في {إِلَيْهِ} لله في كلا الموضعين، فالمعنى: الله يجمع إلى جنابه على طريق الاصطفاء من يشاء من عباده، بحسب استعداده، ويهدي إليه بالعناية من ينيب، واجتباء الله تعالى العبد، تخصيصه إياه بفيض إلهي يتحصل منه أنواع من النعم بلا سعي من العبد، وذلك للأنبياء عليهم السلام، ولبعض من يقاربهم من الصديقين والشهداء.
فعليك أيها المؤمن الإتيان بجميع القرب بقدر الاستطاعة في كل زمان وحال، فإن المؤمن بن تخلص له معصية أبدًا، من غير أن تخالطها طاعة، لأنه مؤمن بها أنها معصية، فإن أضات إلى هذا الخليط استغفارًا وتوبة، فطاعة على طاعة، وقربة على قربة، فيقوى جزاء الطاعة التي خالطها العمل السيء، وهو الإيمان بأنها معصية، والإيمان من أقوى القرب وأعظمها عند الله تعالى، فإنه الأساس الذي ابتنى عليه جميع القرب، وفي الخبر الصحيح:"وإن تقرب مني شبرًا تقربت منه ذراعًا وإن تقرب إلى ذراعًا تقربت منه باعا وإن أتاني يمشي أتيته هرولة" وكان قربه تعالى من العبد، ضعف قرب العبد منه، وعلى كل حال، لا يخلو المؤمن من الطاعة والقرب، والعمل الصالح يمحو الخطايا، فإن العبد إذا رجع عن السيئة وأناب إلى الله وأصلح عمله، أصلح الله شأنه وأعاد عليه نعمه الفائتة.
وعن إبراهيم بن أدهم رحمه الله تعالى: بلغني أن رجلًا من بني إسرائيل، ذبح عجلًا بين يدي أمه، فيبست يده، فبينما هو جالس إذ سقط فرخ من وكره،