جبل خبز ونهر ماء، قال:"هو أهون على الله من ذلك" معناه: هذا أهون على الله تعالى من أن يجعل ما خلقه الله عزّ وجل على يده مضلًا للمؤمنين، ومشككًا لقلوبهم، بل إنما جعله الله له ليزداد الذين آمنوا إيمانًا، وتثبت الحجة على الكافرين والمنافقين، وليس معناه: أنه ليس معه شيء من ذلك, لأنه ثبت في الحديث أنَّ معه ماءً ونارًا، فماؤه نار، وناره ماء بارد. والله سبحانه وتعالى أعلم. انتهى من "الخازن".
٥٨ - ولمّا ذكر سبحانه الجدال بالباطل .. ذكر مثالًا للباطل والحق، وأنهما لا يستويان، فقال:{وَمَا يَسْتَوِي الْأَعْمَى}؛ أي: المشرك الجاهل الغافل {وَالْبَصِيرُ}؛ أي: الموحد العالم المستبصر، والمراد بالأعمى: من عمي قلبه عن رؤية الآيات والاستدلال بها، والبصير: من أبصرها، قال الشاعر:
أي: فكما لا تساوي بينهما فكذلك لا تساوي بين المؤمن والكافر، والعالم والجاهل، وقدَّم الأعمى على البصير في نفي التساوي؛ لمناسبة ما قبله من نفي النظر والتأمل، وفي "السمين": وقدم الأعمى مع كونه أخسّ الوصفين؛ لمجيئه بعد صفة الذم في قوله:{وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ}{وَ} ما يستوي {الَّذِينَ آمَنُوا} بالله ورسوله {وَعَمِلُوا} الأعمال {الصَّالِحَاتِ} وقدمهم على المسيء لمجاورة البصير ولشرفهم عليه {وَلَا الْمُسِيءُ}؛ أي: ولا الذين كفروا بالله ورسوله وعملوا السيئات، والمسيء (١): اسم جنس يعم المسيئين.
والمعنى: وما يستوي المحسن والمسيء؛ أي: الصالح والطالح، فلا بد أن يكون لهم حالة أخرى، يظهر فيها ما بين الفريقين من التفاوت، وهي فيما بعد البعث وهو احتجاج آخر على حقيقة البعث والجزاء، وزيادة {لَا} في المسيء؛ لتأكيد النفي لطول الكلام بالصلة بعد قسم المؤمنين، ولأنّ المقصود نفي مساواته للمحسن, لأنه كما لا يساوي المحسن المسيء فيما يستحقه المسيء من المهانة