للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

خلقنا لهم بقدرتنا وإرادتنا بلا معين ولا ظهير أنعامًا من الإبل والبقر والغنم، يصرفونها كما شاؤوا بالقهر والغلبة. فهي ذليلة منقادة لهم. فالجارية الصغيرة إن شاءت أناخت البازل الكبير، وإن شاءت ساقته وصرفته كما تريد. قال العباس بن مرداس:

وَتَضْربُهُ الوَليْدةُ بالهَراوي ... فَلا غَيرٌ لَديْه وَلا نَكِيرُ

٧٢ - ثم ذكر منافعها، فقال: {وَذَلَّلْناها}؛ أي (١): وصيرنا تلك الأنعام ذليلة منقادة {لَهُمْ}؛ أي: لهؤلاء المشركين وغيرهم، بحيث لا تستعصي عليهم في شيء مما يريدون بها، من الركوب والسوق إلى ما شاؤوا، والذبح مع كمال قوتها وقدرتها. فهو نعمة من النعم الظاهرة، ولهذا ألزم الله الراكب أن يشكر هذه النعمة، ويسبح بقوله: {سُبْحانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنا هذا وَما كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ}.

والفاء في قوله: {فَمِنْها رَكُوبُهُمْ} لتفريع أحكام التذليل عليه، و {من} تبعيضية، والركوب - بفتح الراء - بمعنى: المركوب كالحلوب بمعنى: المحلوب؛ أي: فلأجل تذليلنا إياها لهم، كان بعض منها مركوبهم؛ أي: معظم منافعها الركوب، وقطع المسافات، وعدم التعرض للحمل لكونه من تتمات الركوب.

وقرأ الجمهور (٢): {رَكُوبُهُمْ} بفتح الراء، وهو فعول بمعنى مفعول. وقرأ أبي، وعائشة {ركوبتهم} بالتاء، وهي فعولة بمعنى: مفعولة. والركوب والركوبة واحد، مثل الحلوب والحلوبة، والحمول والحمولة. وقال أبو عبيدة: الركوبة للواحد والجماعة، والركوب لا يكون إلا للجماعة. وقرأ الحسن، والأعمش، وابن السميفع، وأبو الرهسم: {فمنها رُكوبهم} بضم الراء وبغير تاء، فيقدّر مضاف؛ أي: فمنها ذو ركوبهم، أو فمن منافعها ركوبهم. وزعم أبو حاتم: أنه لا يجوز {فمنها رُكوبهم} بضم الراء؛ لأنه مصدر بمعنى: كون الإنسان على ظهر حيوان أو غيره، والمقصود هنا: المركوب. وأجاز ذلك الفرّاء، كما يقال: فمنها أكلهم، ومنها شربهم.


(١) روح البيان.
(٢) البحر المحيط.