للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

{وَاللهُ خَلَقَ كُلَّ دَابَّةٍ مِنْ مَاءٍ} يدل (١) على اختصاص الدابة بما في الأرض؛ لأنَّ ما في السماء لا يخلق بطريق التوالد، وليس لهم دبيبٌ، بل لهم أجنحة يطيرون بها، والظاهر أن الطيران لا ينافي الدبيب، وقد قيل إن في السماء خلقًا يدبون ودبيبه لا يستلزم كونه مخلوقًا من الماء المعهود، إذ من الماء كل شيء حيٍّ، فيكون {مِنْ دَابَّةٍ} بيانًا لما في السماء والأرض، و {ما} عام للعقلاء وغيرهم، وفي "الأسئلة المقحمة": أن ما لا يعقل أكثر عددًا ممن يعقل، فغلب جانب ما لا يعقل لأنه أكثر عددًا، {وَالْمَلَائِكَةِ} معطوف على ما في السموات، عطف جبريل على الملائكة تعظيمًا وإجلالًا، {وَهُمْ}؛ أي: والحال أيُّ الملائكة مع على شأنهم {لَا يَسْتَكْبِرُونَ}؛ أي: لا يتعظمون عن عبادته والسجود له، بل يتذللون، فكل شيء بين يدي صانعه ساجدٌ بسجود يلائم حاله، كما أن كل شيء يسبح بحمده تسبيحًا يلائم حاله، فتسبيح بعضهم بلسان القال، وتسبيح بعضهم بلسان الحال، والله يعلم لسان حالهم، كما يعلم لسان قالهم، وفي هذا رد على قريش حيث زعموا أن الملائكة بنات الله.

والمعنى: أي ولله (٢) يخضع ما في السموات وما في الأرض مما يدب عليها، وكذلك ملائكته الذين في السماء، وهم لا يستكبرون عن التذلل والخضوع له،

٥٠ - {يَخَافُونَ رَبَّهُمْ}؛ أي: مَالِكَ أمرهم، والجملة حال من الضمير في: {لَا يَسْتَكْبِرُونَ} {مِنْ فَوْقِهِمْ}، حال من ربهم؛ أي: يخافونه تعالى خوف هيبةٍ وإجلال، وهو فوقهم بالقهر لقوله تعالى: {وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِه}، أو يخافون أن يرسل عليهم عذابًا من فوقهم، فهو متعلق بـ {يَخَافُونَ} {وَيَفْعَلُونَ}؛ في: الملائكة {مَا يُؤْمَرُونَ}؛ أي: ما يأمرهم الخالق به من الطاعات والتدبيرات، من غير تثاقل عنه وتوانٍ فيه، فبواطنهم وظواهرهم مبرأة من الأخلاق الفاسدة والأفعال الباطلة، وفيه أن الملائكة مكلفون مدارون على الأمر والنهي، والوعد والوعيد، وبين الخوف والرجاء.


(١) روح البيان.
(٢) المراغي.