للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

إبراهيم، وكذا قوله {لَأَسْتَغْفِرَنَّ لَكَ} وما ترتب عليهما من قوله: {وَاغْفِرْ لِأَبِي} إنما كان قبل انقطاع رجاءه عن إيمانه، لعدم تبيّن أمره، كما قال: {فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِلَّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ}.

والمعنى: سأطلب لك من ربي الغفران، بأن يوفقك للهداية، أو ينير بصيرتك لقبول الحق، ويرشدك إلى ما فيه الخير، وجملة قوله: {إِنَّهُ} سبحانه وتعالى {كَانَ بِي حَفِيًّا} أي: بليغًا في البر والإلطاف تعليل لما قبلها، والمعنى: سأطلب لك المغفرة من الله فإنه كان بي كثير البر واللطف. وقال الفراء: {إِنَّهُ كَانَ بِي حَفِيًّا}؛ أي: عالمًا لطيفًا، يجيبني إذا دعوته.

والمعنى (١)؛ أنه سبحانه للطفه بي، وإنعامه علي، عودني الإجابة، فإذا أنا استغفرت لك .. أغاثك بجوده وكرمه وغفر لك ذنوبك إن تبت إليه وأنبت،

٤٨ - ثم بيّن ما بيَّت النية عليه، وعزم على إنفاذه فقال: {وَأَعْتَزِلُكُمْ}؛ أي: أتباعد عنك، وعن قومك، بالمهاجرة بديني، حيث لم يؤثر فيكم نصائحي {و} أتباعد عـ {مَا تَدْعُونَ} وتعبدون {مِنْ دُونِ اللَّهِ} سبحانه وتعالى من الأوثان والأصنام، وأمر بديني وأتشاغل بعبادة ربي الذي ينفعني ويضرني، وقد روي أنه عليه السلام هاجر إلى بلاد الشام، وفي هجرته هذه تزوج سارة، ولقي الجبار الذي أخدم سارة هاجر {وَأَدْعُو رَبِّي}؛ أي: وأعبد ربي سبحانه وحده، وأجتنب عبادة غيره من المعبودات {عَسَى أَلَّا أَكُونَ}؛ أي: أترجّى أن لا أكون {بِدُعَاءِ رَبِّي} المنعم علي {شَقِيًّا}؛ أي: خائبًا؛ أي: أترجى عدم كوني خائبًا محرومًا بسبب دعائي وعبادتي إياه، كما خبتم أنتم وشقيتم بعبادة تلك الأوثان، التي لا تجيب دعاءَكم ولا تنفعكم ولا تضركم، وفيه تعريض (٢) لشقائهم في عبادتهم آلهتهم، وفي تصدير الكلام بـ {عسى}: إظهار التواضع، ومراعاة حسن الأدب، والمراد بالدعاء هنا العبادة؛ لأن "الدعاء منع العبادة" قيل أراد بهذا الدعاء هو أن يهب الله له ولدًا وأهلًا يستأنس بهم في اعتزاله، ويطمئن إليهم عند وحشته، وقيل: أراد دعاءَه


(١) المراغي.
(٢) روح البيان.