للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

للمشاكلة، وما أقوى الحق وأثبته وأكثر نفعه للناس، فهو ثابت الدعائم متين الأركان.

والخلاصة: أن أرباب النفوس العالية، وكبار الفكرين هم أصحاب الكلمة الطيبة، وعلومهم تعطي أممهم نعمًا ورزقًا في الدنيا، وهي مستقرة في نفوسهم، وفروعها ممتدة إلى العوالم العلوية والسفلية، وتثمر كل حين لأبناء أمتهم ولغيرهم، فيهتدي بها المؤمنون، وما أشبههم بالنخلة التي لها أصل مستقر وفروع عالية وثمر دائم، ويأكل الناس منها صيفًا وشتاء، وأرباب الشهوات والنفوس الضعيفة والمقلدون في العلم هم أصحاب الكلمة الخبيثة التي لا ثبات لها كالحنظل.

٢٧ - وبعد أن وصف الله سبحانه وتعالى الكلمة الطيبة بما سلف .. أخبر بفوز أصحابها ببغيتهم في الدنيا والآخرة، فقال: {يُثَبِّتُ اللَّهُ} سبحانه وتعالى {الَّذِينَ آمَنُوا} باللهِ وصدقوا بوحدانيته وبما جاءت به رسله على دينهم، وهذا راجع للمثل الأول، وقوله: {وَيُضِلُّ اللَّهُ}. إلخ. راجع للمثل الثاني: {بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ} الذي ثبت عندهم بالحجة، وتمكن في قلوبهم، وهو قول: لا إله إلا الله. {فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا}؛ أي: قبل (١) موتهم، فإذا ابتلوا وافتتنوا في الحياة الدنيا .. ثبتوا عليه، ولم يرجعوا عنه، ولو عذبوا أنواع العذاب كمن تقدمنا من الأنبياء والصالحين مثل زكريا ويحيى، والذين قتلهم أصحاب الأخدود، والذين مشطت لحومهم بأمشاط الحديد، وكما جرى لبلال وغيره من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - {و} يثبتهم على دينهم الحق {فِي الْآخِرَةِ}؛ أي: في القبر عند سؤال منكر ونكير، وفي سائر المواطن وقت المسألة يوم القيامة، والقبر من الآخرة، فإنه أول منزل من منازل الآخرة. وقيل: {في الْحَيَاةِ الدُّنْيَا} يعني (٢): في القبر عند السؤال {وَفِي الْآخِرَةِ} يعني: يوم القيامة عند البعث والحساب، وهذا القول واضح.


(١) روح البيان.
(٢) الخازن.