للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

والمعنى: أي يثبتهم بالكلمة الطيبة التي ذكرت صفاتها العجيبة فيما سلف من مدة حياتهم إذا وجد من يفتنهم عن دينهم ويحاول زللهم، كما جرى لبلال وغيره من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم -، وبعد الموت في القبر الذي هو أول منزل من منازل الآخرة حين يقال له: من ربك وما دينك ومن نبيك؟ فيقول: ربي الله وديني الإِسلام ونبيي محمد - صلى الله عليه وسلم -، وفي مواقف القيامة فلا يضطربون إذا سئلوا عن معتقدهم، ولا تدهشهم الأهوال.

أخرج ابن أبي شيبة عن البراء بن عازب أنه قال في الآية: التثبيت في الحياة الدنيا إذا جاء الملكان إلى الرجل في القبر، فقالا له: من ربك؟ قال: ربي الله، وقالا: وما دينك؟ قال: ديني الإسلام، وقالا: وما نبيّك؟ قال: نبيي محمد - صلى الله عليه وسلم -.

وعن عثمان بن عفان قال: كان رسول الله إذا فرغ من دفن الميت وقف عليه، وقال: "استغفروا لأخيكم واسألوا له التثبيت، فإنه الآن يُسأل" أخرجه أبو داود. وقد وردت أحاديث كثيرة في سؤال الملائكة للميت في قبره وفي جوابه لهم وفي عذاب القبر وفتنته، وليس هذا موضعها نسأل الله التثبيت في القبر وحسن الجواب بمنه وكرمه إنه على ما يشاء قدير.

وعلى هذا (١): فالمراد بالحياة الدنيا مدة الحياة قبل الموت، وبالآخرة ما بعد الموت من القبر ويوم القيامة والعرض للحساب. وبعد أن وصف الكلمة الخبيثة في الآية المتقدمة بين حال أصحابها بقوله: {وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ}؛ أي: يضلهم (٢) عن حجتهم التي هي القول الثابت، فلا يقدرون على التكلم بها في قبورهم ولا عند الحساب، كما أضلهم عن اتباع الحق في الدنيا. والمراد بالظالمين هنا الكفرة؛ لأنهم ظلموا أنفسهم بتبديلهم فطرة الله التي فطر الناس عليها، وعدم اهتدائهم إلى القول الثابت. وقيل: كل من ظلم نفسه ولو بمجرد الإعراض عن البينات الواضحة، فإنه لا يثبت في مواقف الفتن، ولا يهتدي إلى الحق. وقيل معنى: {وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ}؛ أي: يخلق (٣) الله في الكفرة


(١) المراغي.
(٢) الشوكاني.
(٣) روح البيان.