للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

يغنمها المسلمون، ويأخذوها قسرًا من أيديهم، مع كونها زينة حياتهم، وقرة أعينهم، وكذا في الآخرة، يعذبهم بعذاب النار، بسبب عدم الشكر لربهم الذي أعطاهم ذلك، وترك ما يجب عليهم من الزكاة فيها، والتصدق بما يحق التصدق به.

وقيل (١): إن سبب كون المال والولد عذابًا في الدنيا: هو ما يحصل من المتاعب والمشاق في تحصيلهما، فإذا حصلا، ازداد التعب وتحمل المشاق في حفظهما، ويزداد الحزن والغم بسبب المصائب الواقعة فيهما، فعلى هذا القول لا حاجة إلى التقديم والتأخير في نظم الآية، وأورد على هذا القول بأن هذا التعذيب حاصلٌ لكل أحد من بني آدم، مؤمنهم وكافرهم، فما فائدة تخصيص المنافقين بهذا التعذيب في الدنيا؟

وأجيب عن هذا الإيراد: بأنَّ المنافقين مخصوصون بزيادة من هذا التعذيب، وهو أنَّ المؤمن قد علم أنه مخلوق للآخرة، وأنه يثاب بالمصائب الحاصلة له في الدنيا، فلم يكن المال والولد في حقه عذابًا في الدنيا، وأما المنافق .. فإنه لا يعتقد كون الآخرة له، وأنه ليس له فيها ثواب، فبقي ما يحصل له في الدنيا من التعب والشدة، والغم والحزن على المال والولد عذابًا عليه في الدنيا، فثبت بهذا الاعتبار أنَّ المال والولد، عذاب على المنافقين في الدنيا دون المؤمنين.

وقال مجاهد وقتادة (٢): في الآية تقديم وتأخير، تقديرها: فلا تعجبك أموالهم ولا أولادهم في الحياة الدنيا، إنما يريد الله ليعذبهم بها في الآخرة؛ لأنهم منافقون، فهم ينفقون كارهين، فيعذبون بما ينفقون {وَتَزْهَقَ أَنْفُسُهُمْ}؛ أي: ويريد الله سبحانه وتعالى، أن تخرج أرواحهم {وَهُمْ كَافِرُونَ}؛ أي: والحال أنهم كافرون، لعدم قبولهم لما جاءت به الأنبياء، وأرسلت به الرسل، وتصميمهم على الكفر وتماديهم في الضلالة، فيعذبون بها في الآخرة إثر ما عذبوا بها في الدنيا، لموتهم على الكفر الذي يحبط أعمالهم.

٥٦ - ثم ذكر الله سبحانه وتعالى نوعًا آخر من قبائح المنافقين، فقال: {وَيَحْلِفُونَ


(١) الخازن.
(٢) الخازن.