ويوم السبت لهم، كيوم الجمعة لنا، أتاه ملك الموت وهو يصعد في محرابه؛ أي: الغرفة، وينزل، وقال: جئت لأقبض روحك، فقال: دعني حتى أنزل وأرتقي، فقال: ما لي إلى ذلك سبيل، نفدت الأيام، والشهور، والسنون، والآثار، والأرزاق، فما أنت بمؤثر بعدها، فسجد داود على مرقاة من الدرج، فقبض نفسه على تلك الحال، وموت الفجأة رحمة للصالحين، وتخفيف ورفق بهم، إذ هم المنقطعون المستعدون، فلا يحتاجون إلى الإيصاء، وتجديد التوبة، ورد المظالم بخلاف غيرهم، ولذا كان من آثار غضب الله على الفاسقين، وأوصى داود لابنه سليمان بالخلافة.
ثم مدح الله سبحانه، وأثنى عليه فقال:{نِعْمَ الْعَبْدُ} والمخصوص بالمدح محذوف؛ أي: نعم العبد هو؛ أي: سليمان لصلاحية استعداده للكمال النوعي الإنساني. وهو مقام النبوة والخلافة. وقيل: إن المدح هنا بقوله: {نِعْمَ الْعَبْدُ} هو لداود. والأول أولى. وجملة {إِنَّهُ أَوَّابٌ} تعليل لما قبلها من المدح. والأواب: الرجاع إلى الله بالتوبة، كما تقدم بيانه، أي: إن سليمان رجاع إلى الله سبحانه، بإخلاص العبودية، بلا علة دنيوية ولا أخروية، أو رجاع إلى الله في جميع الأحوال، في النعمة بالشكر، وفي المحنة بالصبر.
والمعنى: أي ما أحقه بالمدح والثناء؛ لأنه كان كثير الطاعة والعبادة والإنابة إلى ربه في أكثر الأوقات، وفي كثير من المهمات اعتقادًا منه، بأن كل شيء من الخير، لا يتم إلا بإعانته وتوفيقه.
٣١ - ثم ذكر حالًا من أحواله، التي تستحق الإطراء والثناء، فقال:{إِذْ عُرِضَ عَلَيْهِ}؛ أي: قرّب إليه، وأظهر له {بِالْعَشِيِّ}؛ أي: في آخر النهار {الصَّافِناتُ}؛ أي: الخيول القائمة على ثلاثة قوائم، جاعلة طرف حافر، الرابعة على الأرض لنشاطها {الْجِيادُ}؛ أي: السريعة الجري والعدو، والظرف متعلق بمحذوف؛ أي: اذكر يا محمد لقومك، ما صدر عن سليمان حين عرضت عليه الجياد الصافنات، من العصر إلى آخر النهار لينظر إليها، ويتعرف أحوالها مقدار صلاحيتها للقيام بالمهام، التي توكل إليها حين الغزو وغيره، وقد وصفها