للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

أولا، ورأى الباقون أنهم ماتوا، ويسمّى هذا رؤية الموت مجازا. وسيأتي (١) في الأعراف أنهم ماتوا بالرجفة؛ أي: الزلزلة، ويمكن الجمع بينهما، بأنه حصل لهم الجميع. انتهى. من «الفتوحات». وقال الواحديّ: وإنما (٢) أخذتهم الصاعقة؛ لأنهم امتنعوا من الإيمان بموسى بعد ظهور معجزته حتى يريهم ربهم جهرة، والإيمان بالأنبياء واجب بعد ظهور معجزتهم، ولا يجوز اقتراح المعجزات عليهم، فلهذا عاقبهم الله تعالى. وهذه الآية موبخة للمعاصرين في زمن الرسول صلّى الله عليه وسلّم، على مخالفة محمد صلّى الله عليه وسلّم مع قيام معجزته، كما خالف أسلافهم موسى، مع ما أتى به من المعجزات الباهرة. وفي التوراة: إن طائفة (٣) منهم قالوا: لماذا اختص موسى وهارون بكلام الله من دوننا، وشاع ذلك في بني إسرائيل، وقالوا لموسى بعد موت هارون: إنّ نعمة الله على شعب إسرائيل لأجل إبراهيم، وإسحاق، فتعمم الشعب جميعه، وأنت لست أفضل منه، فلا يحقّ لك أن تسودنا بلا مزيّة، وإنا لن نؤمن لك حتى نرى الله جهرة، فأخذهم إلى خيمة العهد، فانشقت الأرض، وابتلعت طائفة منهم، وجاءت نار من الجانب الآخر، فأخذت الباقين. اه.

وهكذا كان حال بني إسرائيل مع موسى، يتمرّدون، ويعاندون، وسوط العذاب يصبّ عليهم صبا، فأصيبوا بالأوبئة وأنواع الأمراض، وسلّطت عليهم هوام الأرض وحشراتها، حتى فتكت بالعدد العديد، والخلق الكثير، فليس ببدع منهم أن يجحدوا دعوة النبي صلّى الله عليه وسلّم، ويعاندوها

٥٦ - {ثُمَّ بَعَثْناكُمْ} وأحييناكم {مِنْ بَعْدِ مَوْتِكُمْ} وحرقكم بتلك النار الصاعقة، وموتكم يوما وليلة، وقاموا ينظر بعضهم إلى بعض كيف يحيا! وعاشوا بعد ذلك؛ لأنهم (٤) لما ماتوا، جعل موسى يبكي ويتضرع إلى الله، ويقول: يا رب! إنهم خرجوا معي وهم أحياء، لو شئت أهلكتهم من قبل وإياي، فلم يزل يناشد ربه حتى أحياهم الله تعالى رجلا بعد


(١) الفتوحات.
(٢) الواحدي.
(٣) التوراة.
(٤) كرخي.