للعجز وتقطع الأسباب {عَسَى اللَّهُ}؛ أي: حقق الله سبحانه وتعالى {أَنْ يَعْفُوَ عَنْهُمْ} ولا يؤاخذهم بالإقامة في دار الكفر {وَكَانَ اللَّهُ} سبحانه وتعالى {عَفُوًّا}؛ أي: كثير العفو والمحو للذنوب عن صحف الملائكة فلا يؤاخذ بها، {غَفُورًا}؛ أي: كثير الغفر والستر لها عن أعين الملائكة، فلا يفضح صاحبها في الآخرة.
١٠٠ - ثم رغب الله سبحانه وتعالى في أمر الهجرة، ونشط المستضعفين، لما جرت به العادة من أن الإنسان يتهيب الأمر المخالف لما اعتاده وأنس به، ويتخيل مصاعب ومشقات لا توجد إلا في خياله، وأن ما يتصوره بعض الناس من عسر الهجرة لا محل له، وأن عسرها إلى يسر، فقال:{وَمَنْ يُهَاجِرْ}؛ أي: ومن يرتحل من بلده الأصيلة إلى بلد آخر {فِي سَبِيلِ اللَّهِ}؛ أي: في طاعته وطلب رضاه، لا لدنيا يصيبها، ولا لامرأة ينكحها مثلًا، {يَجِدْ فِي الْأَرْضِ}؛ أي: يجد في الأرض التي هاجر إليها {مُرَاغَمًا كَثِيرًا وَسَعَةً} في المعيشة؛ أي: يجد في تلك الأرض من الخير والنعمة ما يكون سببًا لرغم أنوف أعدائه، الذين كانوا معه في بلدته الأصيلة، وذلك لأن من ارتحل إلى بلدة أجنبية وتحول إليها، فإذا استقام أمره في تلك البلدة، وتمكن فيها، ووصل خيره إلى أهل بلدته الأولى، خجلوا من سوء معاملتهم معه، وندموا عليه، ورغمت أنوفهم بسبب ذلك.
وقرأ (١) الجراح ونبيح والحسن بن عمران: {مرغما} على وزن مفعل كمذهب، قال ابن جني: هو على حذف الزوائد من راغم، وفي هذا وعد للمهاجرين في سبيله بتسهيل سبل العيش لهم، وإرغامهم أعداءهم، والظفر بهم، وبعد أن وعد سبحانه من هاجر في سبيل الله تعالى بالظفر بما يحب من وجدان السبل ميسورة أمامه، ومن سعة العيش .. وعد من يموت في الطريق قبل وصوله دار الهجرة بالأجر العظيم، الذي ضمنه له عز وجل إذا كان يقصد بهجرته رضا الله تعالى، ونصرة رسوله - صلى الله عليه وسلم - في حياته، وإقامة سننه بعد وفاته، وكان مستحقًا لهذا الأجر ولو مات بعد أن تجاوز عتبة بابه، ولو لم يصب تعبًا ولا مشقة؛ فإن نية الهجرة مع الإخلاص كافية لاستحقاقه، كما في الحديث: "إنما الأعمال