بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى"، فقال:{وَمَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ} ويرتحل منه حالة كونه {مُهَاجِرًا} ومتحولًا {إِلَى} محل فيه رضا {اللَّهِ وَرَسُولِهِ} - صلى الله عليه وسلم - {ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ}؛ أي: يأته الموت ويأخذه قبل أن يصل إلى المقصد، وإن كان خارج بابه {فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ}؛ أي: فقد وجب أجر هجرته عند الله تعالى، بإيجابه على نفسه بمقتضى وعده وتفضله وكرمه، لا بحكم الاستحقاق، الذي لو لم يفعل لخرج عن الألوهية. وفي إبهام هذا الأجر وجعله حقًّا واجبًا عليه تعالى إيذان بعظم قدره، وتأكيد ثبوته ووجوبه، ولله تعالى أن يوجب على نفسه ما يشاء، وليس لغيره أن يوجب عليه شيئًا، إذ لا سلطان فوق سلطانه {وَكَانَ اللَّهُ} سبحانه وتعالى {غَفُورًا} لما كان منه من القعود إلى وقت الخروج، {رَحِيمًا} بإكمال أجر الهجرة له، فكذلك كل من قصد فعل طاعة ولم يقدر على إتمامها .. كتب الله تعالى له ثوابًا كاملًا.
وقرأ النخعي وطلحة بن مصرف (١): {ثم يدركه} برفع الكاف، قال ابن جني: هذا رفع على أنه خبر مبتدأ محذوف؛ أي: هو يدركه الموت، فعطف الجملة من المبتدأ والخبر على الفعل المجزوم وفاعله، وخرج على وجه آخر وهو أن رفع الكاف منقول من الهاء، كأنه أراد أن يقف عليها، ثم نقل حركة الهاء إلى الكاف، وقرأ الحسن بن أبي الحسن ونبيح والجراح:{ثم يدركه} بنصب الكاف، وذلك على إضمار أن المصدرية، قال ابن جني: هذا ليس بالسهل، إنما بابه الشعر لا القرآن، ولك أن تقول: أجري {ثم} مجرى الواو والفاء، فكما جاز نصب الفعل بإضمار أن بعدهما، بين الشرط وجوابه، كذلك جاز في {ثم} إجراء لها مجراهما، وهذا مذهب الكوفيين، واستدلوا بهذه القراءة.