للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وقرأ الجمهور (١): {يَذْهَبُ} بفتح الياء والهاء، وأبو جعفر {يذهب} بضم الياء وكسر الهاء. وخرج ذلك على زيادة الباء؛ أي: يذهب الأبصار، أو على أن الباء، بمعنى من، والمفعول محذوف، تقديره: يذهب النور من الأبصار.

٤٤ - {يُقَلِّبُ اللَّهُ} سبحانه وتعالى {اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ} بالمعاقبة (٢) بينهما، أو بنقص أحدهما أو زيادة الآخر، أو بتغيير أحوالهما بالحر والبرد، والظلمة والنور، وغيرها مما يقع فيهما من الأمور التي من جملتها ما ذكر، من إزجاء السحاب، وما يترتب عليه.

{إِنَّ فِي ذَلِكَ} الذي فصل من الإزجاء إلى التقليب {لَعِبْرَةً}؛ أي: لدلالة واضحة على وجود الصانع القديم، ووحدته، وكمال قدرته، وإحاطة عمله بجميع الأشياء، ونفاذ مشيئته، وتنزهه عما لا يليق بشأنه العلي. {لِأُولِي الْأَبْصَارِ}؛ أي: لأصحاب العقول الكامله، والبصائر السليمة؛ أي: لكل من يبصر بقلبه، وجارحته.

ويقال: لقوة القلب المدركة: بصيرة وبصر، ولا يكاد يقال: للجارحة بصيرة. كما في "المفردات"، يعني لمن له بصيرة يعبر بها من المذكور إلى معرفة المدبر الحكيم. وسئل سعيد بن المسيب: أي العبادة أفضل؟ قال: التفكر في خلقه، والتفقه في دينه. فعلى العاقل الاعتبار آناء الليل، وأطراف النهار.

وخلاصة معنى الآيتين (٣): انظر أيها الرسول الكريم، إلى السحاب يسوقه الله بقدرته، أول ما ينشئه، ثم يجمع بين ما تفرق من أجزائه، ثم يجعل بعضه متراكمًا فوق بعض، فينزل المطر من فوقه، وحينًا ينزل منه قطعًا كبيرة من البرد، كأنها الجبال فيصيب بما ينزل منه من يشاء من عباده، فيناله الخير والنفع العميم أو الضرر الشديد، إذا كان فوق الحاجة، ويصرفه عمن يشاء أن يصرفه عنه. وإلى ما في هذا السحاب من برق يضيء بشدة وسرعة، حتى ليكاد يخطف الأبصار.


(١) البحر المحيط.
(٢) روح البيان.
(٣) المراغي.