خلق جبالًا كثيرة في السماء، من البرد والثلج، ووكل بها ملكًا من الملائكة، فإذا أراد أن يرسل البرود والثلج على قطر من أقطار الأرض، يأمره بذلك، فثلج هناك ما شاء الله تعالى، بوزن ومقدار في صحبة كل حبة منها ملك يضعها حيث أمر بوضعها.
والمشهور أن الأبخرة إذا تصاعدت ولم تحللها حرارة، فبلغت الطبقة الباردة من الهواء، وقوي البرد .. اجتمعت هناك، وصارت سحابًا، فإن لم يشتد البرد .. تقاطرت مطرًا وإن اشتد، فإن وصل إلى الأجزاء البخارية قبل اجتماعها .. نزل بردًا. وقد يبرد الهواء بردًا مفرطًا، فينقبض وينعقد سحابًا، وينزل منه المطر، أو الثلج، وكل ذلك مستند إلى إرادة الله تعالى ومشيئته المبنية على الحكم والمصالح. وفي "شرح القانون" الفرق بين الدخان والبخار، هو أن تركيب الدخان من الأجزاء الأرضية والنارية، وتركيب البخار من المائية والهوائية. فيكون البخار ألطف من الدخان.
{فَيُصِيبُ} سبحانه وتعالى {بِهِ}؛ أي: بما ينزل من البرد. والباء للتعدية {مَنْ يَشَاءُ} من عباده، فيناله ما يناله من ضرر في نفسه وماله، نحو الزرع والضرع والثمرة. {وَيَصْرِفُهُ}؛ أي: يصرف سبحانه ذلك البرد ويرده {عَنْ مَنْ يَشَاءُ} فيأمن غائلته وضرره. {يَكَادُ} ويقرب {سَنَا بَرْقِهِ}؛ أي: ضوء برق السحاب، فإن السنا بالقصر بمعنى الضوء، وبالمد بمعنى الرفعة والعلو، والبرق لمعان السحاب. {يَذْهَبُ بِالْأَبْصَار}؛ أي: يخطف الأبصار الناظرة له، ويسلبها من فرط الإضاءة، وسرعة ورودها. فسبحان من يظهر الضد من الضد.
وقرأ الجمهور:{سَنَا} مقصورًا. {بَرْقِهِ} مفردًا. وقرأ طلحة بن مصرف {سناء} ممدودًا. {برقه} بضم الباء وفتح الراء جمع برقة بضم الباء. وهي المقدار من البرق، كالغرفة واللقمة، وعنه بضم الباء والراء، أتبع حركة الراء لحركة الباء. كما أتبعت في ظلمات. وأصلها السكون. والسناء بالمد ارتفاع الشأن، كأنه شبه المحسوس من البرق لارتفاعه في الهواء بغير المحسوس من الإنسان، فإن ذلك صيِّب، لا يحس به بصر.