للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

والمعنى: بل تكذبون يا أهل مكة بالدين؛ أي: بالحساب.

١٠ - وجملة قوله: {وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ (١٠)} حال من فاعل {تُكَذِّبُونَ}؛ أي: تكذبون بالجزاء، والحال أن عليكم أيها المكلفون من قبلنا ملائكة حافظين لأعمالكم، ويجوز أن تكون مستأنفة مسوقة لبيان ما يبطل تكذيبهم، والحافظون: الرقباء من الملائكة الذين يحفظون على العباد أعمالهم، ويكتبونها في الصحف، وجمعهم باعتبار كثرة المخاطبين، أو باعتبار أن لكل واحد منهم جمعًا من الملائكة، كما قيل اثنان بالليل، واثنان بالنهار،

١١ - ثم وصفهم سبحانه بأنهم كانوا {كِرَامًا} جمع: كريم؛ أي: مكرمين لدينا بجبرهما في طاعتنا، أو بأداء الأمانة؛ إذ الكريم لا يكون خوانًا، وفي "فتح الرحمن": وصفهم بالكرم الذي هو نفي المذام. وقيل: معنى (١) {كِرَامًا}: يسارعون إلى كتب الحسنات، ويتوقفون في كتب السيئات رجاء أن يستغفر ويتوب، فيكتبون الذنب والتوبة منه معًا {كَاتِبِينَ} لأقوالكم وأفعالكم صغيرها وكبيرها لتجازوا عليها

١٢ - {يَعْلَمُونَ} لحضورهم وعدم افتراقهم عنكم {مَا تَفْعَلُونَ} من الأفعال، وما تقولون من الأقوال قليلًا أو كثيرًا، ويضبطون نقيرًا وقطميرًا لتجازوا بذلك، وخص الفعل بالذكر؛ لأنه أكثر من القول، ولأن القول قد يراد به الفعل فاندرج فيه، وجملة {يَعْلَمُونَ} في محل نصب على الحال من ضمير {كَاتِبِينَ} أو على النعت أو مستأنفة. وفي الحديث: "أكرموا الكرام الكاتبين الذين لا يفارقونكم إلا عند الحالتين الجنابة والغائط".

قال في "عين المعاني" (٢): قوله: {يَعْلَمُونَ} يدل على أن السهو والخطأ وما لا تبعة فيه لا يكتب، وكذا ما استغفر منه حيث لم يقل يكتبون. انتهى.

وقوله {مَا تَفْعَلُونَ} وإن كان عامًا لأفعال القلوب والجوارح، لكنه عام مخصوص بأفعال الجوارح؛ لأن ما كان من المغيبات لا يعلمه إلا الله، وفي "كشف الأسرار": علمهم على وجهين: فما كان من ظاهر قول أو حركة جوارح، علموه بظاهره، وكتبوه على جهته، وما كان من باطن ضمير يقال: إنهم يجدون لصالحه رائحة طيبة، ولطالحه رائحة خبيثة، فيكتبونه مجملًا عملًا صالحًا، وآخر سيئًا. انتهى. وقد مر بيان هذا المقام في سورتي الزخرف، وق.


(١) روح البيان.
(٢) روح البيان.