ربه، لكن الشدائد تذكره به، والكافر بالنعم قد يعرف قيمتها له بفقدها، وتنبهه الشدائد والأهوال إلى وجود الرب الخالق، والمدبر لأمور الخلق، وتذكره الأهوال بمصدر هذا النظام في الكون
٩٥ - {ثُمَّ} بعدما أخذناهم بالبأساء والضراء {بَدَّلْنا}؛ أي: أعطينا لهم {مَكانَ السَّيِّئَةِ}؛ أي: بدل ما كانوا فيه من البلاء والمحنة {الْحَسَنَةَ}؛ أي: الرخاء والسعة؛ أي: ثمّ أعطيناهم السعة والصحة بدل ما كانوا فيه من البلاء والمرض؛ لأنّ ورود النعمة في المال والبدن يدعو إلى الاشتغال بالشكر، والمراد: بدلنا مكان الحال السيئة من البأساء والضراء، الحال الحسنة من السراء والنعمة حَتَّى {عَفَوْا}؛ أي: حتى كثروا في أنفسهم وأموالهم ونموا، إذ إنّ الرخاء مما يكون سببا في كثرة النسل، وبه تتم النعمة في الدنيا على الموسرين، ومن هذه الحسنات: ما حدث لقوم هود من النعم التي بطروا بها، وذكرهم هود بها في قوله:{وَاذْكُرُوا إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفاءَ مِنْ بَعْدِ قَوْمِ نُوحٍ وَزادَكُمْ فِي الْخَلْقِ بَصْطَةً فَاذْكُرُوا آلاءَ اللَّهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} وكذا ما قاله صالح لقومه: {وَاذْكُرُوا إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفاءَ مِنْ بَعْدِ عادٍ وَبَوَّأَكُمْ فِي الْأَرْضِ تَتَّخِذُونَ مِنْ سُهُولِها قُصُورًا وَتَنْحِتُونَ الْجِبالَ بُيُوتًا فَاذْكُرُوا آلاءَ اللَّهِ وَلا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ}. {وَقالُوا} قولا يدل على أنّهم لا يعتبرون بأحداث الزمان، إذ قالوا:{قَدْ مَسَّ آباءَنَا} ممن قبلنا {الضَّرَّاءُ}؛ أي: ما يسؤهم من الشدائد والأمراض {وَالسَّرَّاءُ}؛ أي: ما يسرهم من الرخاء والراحة والخصب، كما أصابنا، وما نحن إلا مثلهم، فيصيبنا مثل ما أصابهم، وهذه عادة الزمان في أهله، فمرة يحصل فيهم الشدة والنكد، ومرة يحصل لهم الرخاء والراحة، وتلك عادة الدهر بأبنائه، فلا الضراء عقاب على ذنب يرتكب، ولا السراء جزاء على صالحات تكتسب، فصبروا على دينهم، فنحن مثلهم، نقتدي بهم، فليست عقوبة من الله بسبب ما نحن عليه من الدين والعمل، فلمّا لم ينقادوا بالشدة وبالرخاء، ولم ينتفعوا بذلك الإمهال .. أخذهم الله بغتة أينما كانوا، كما قال تعالى:{فَأَخَذْناهُمْ} بعد ذلك {بَغْتَةً}؛ أي: فجأة بالعذاب {وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ}؛ أي: والحال أنّهم لا يعلمون وقت نزول العذاب بهم، ولا يخطرون ببالهم شيئا من المكاره، أي: فكان عاقبة أمرهم أن أخذناهم بالعذاب فجأة، وهم لا شعور لديهم بما سيحل بهم، إذ هم