القرآن أنزل من العلم الإلهي، ولم يكن لعلمه الكسبي أن يأتي بمثله، وأنزل مبينًا لجميع الناس ما هم في حاجة إليه في معاشهم ومعادهم؛ ليتدبروا آياته ويسعدوا به في حياتهم الدنيا، وينالوا به الخير في العقبى، فمنهم من آمن، ومنهم من كفر
١٧٥ - {فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ}: في ذاته، وصفاته، وأفعاله، وأسمائه، وأحكامه {وَاعْتَصَمُوا}؛ أي: وتمسكوا بدينه، والتجؤوا إليه تعالى في أن يثبتهم على الإيمان ويصونهم عن نزغات الشيطان {فَسَيُدْخِلُهُمْ فِي رَحْمَةٍ مِنْهُ} وهي الجنة ونعيمها {و} في {فضل} وكرم منه وإحسان زائد، كالنظر إلى وجهه الكريم، والتعظيم وغير ذلك من مواهب الجنة. والاعتصام: التمسك بما يعصم ويحفظ؛ أي: فأما الذين يعتصمون بهذا القرآن - فيدخلهم الله في رحمة خاصة منه، لا يدخل فيها سواهم، وفضل خاص لا يتفضل به على غيرهم، ولكنه يخص من يشاء بما شاء من أنواعهما، وقال ابن عباس رضي الله عنهما: الرحمة: الجنة، والفضل: ما يتفضل به عليهم، مما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر {وَيَهْدِيهِمْ إِلَيْهِ صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا} وهو: الإِسلام والطاعة والسعادة الروحانية، والجار والمجرور في محل نصب حال من صراطًا، والضمير المجرور عائد على الله، بتقدير مضاف؛ أي: إلى ثوابه؛ أي: ويهديهم طريقًا قويمًا، وهدايةً خاصة تبلغهم السعادة في الدنيا بالعزة والكرامة، وفي الآخرة بالجنة والرضوان، وهذا الصراط المستقيم لا يهدي إليه إلا الاعتصام بالقرآن الكريم، واتباع سنة سيد المرسلين، والمراد: أنه يوفّقهم ويثبتهم على تلك الهداية إلى الصراط المستقيم. وسكت عن القسم الآخر المقابل لهؤلاء المؤمنين المعتصمين؛ للإيذان بأنه بعد ظهور البرهان لا ينبغي أن يوجد، وإن وجد لا يؤبه له ولا يهتم بشأنه.
١٧٦ - {يَسْتَفْتُونَكَ}؛ أي: يسألك المؤمنون يا محمَّد عن كيفية إرث مال من ليس له ولد ولا والد، تقدم لك في مبحث أسباب النزول: أنها نزلت في جابر بن عبد الله، له تسع أخوات، وليس له ولد ولا والد، وروى الطبري عن قتادة أن الصحابة أهمهم شأن الكلالة، فسألوا عنها النبي - صلى الله عليه وسلم -، فأنزل الله تعالى هذه الآية.
وختم الله سبحانه وتعالى هذه السورة بذكر الأموال، كما أنّه افتتحها بذلك؛ لتحصل المشاكلة بين المبدأ والختام.