بالدلائل والبينات، ألا وهو النبي الأمي الذي هو برهان على حقية ما جاء به بسيرته العملية ودعوته التشريعية، فإن أميًّا لم يتعلم في مدرسة ولم يعن في طفولته بما كان يسمى عند قومه علمًا، كالشعر والنسب وأيام العرب، بل ترك ولدان المشركين وشأنهم، ولم يحضر سمار قومه ولا معاهد لهوهم، ولم يحظ من التربية المنزلية والتأديب الاجتماعي - في أول نشأته - ما يؤهله للمنصب الذي تصدى له في كهولته، وهو تربية الأمم تربية دينية اجتماعية سياسية حربية، وهو مع هذا قد قام به على أتم وجه وأكمل طريق، لهو برهان على عناية الله به وتأييده إياه بوحيه وهديه.
{وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكُمْ} بواسطة محمَّد - صلى الله عليه وسلم - {نُورًا مُبِينًا}؛ أي: نورًا نيرًا في نفسه منورًا لغيره، وهو القرآن، وسماه نورًا؛ لأنه سبب لوقوع نور الإيمان في القلب؛ أي: وأنزلنا إليكم بما أوحينا إليه كتابًا، هو كالنور في الهداية للناس مبينًا لكل ما أنزل لبيانه، من توحيد الله وربوبيته، وهو المقصد الأعلى الذي بعث به جميع الرسل، وكان كلٌّ منهم يدعو أمته إليه، ويستجيب له الناس بقدر استعدادهم لفهم حقيقته، ثم لم يلبثوا أن يشوهوه بالشرك وضروب الوثنية التي تدنس النفوس، وتهبط بها من أوج العزة والكرامة إلى المهانة والذلة بالخضوع لبعض مخلوقات من جنسهم، أو من أجناس أخرى.
ولما تغلغلت الوثنية في جميع الأديان المعروفة وأفسدتها على أهلها .. أنزل الله تعالى لهداية البشر هذا النور المبين، وهو القرآن، فبين لمن يفهم لغته حقيقة التوحيد بالدلائل والبراهين الكونية والعقلية مع ضرب الأمثال، وذكر شيء من القصص؛ لكشف ما ران على هذه العقيدة من شبهات المضلين، وأوهام الضالين التي مزجتها بالشرك. هذا البيان الذي جاء به القرآن لتقرير التوحيد واجتثاث جذور الوثنية .. لم يكن معهودًا مثله من الحكماء، ولا من الأنبياء، فمن ثم وجب أن يكون من رب العالمين {وَإِنَّهُ لَتَنْزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ (١٩٢) نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ (١٩٣) عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ (١٩٤) بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ (١٩٥)}.
والخلاصة: أن محمدًا النبي الأمي - صلى الله عليه وسلم - كان برهانًا على حقية دينه، وكتابه