للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

٥٨ - قوله: {فَجَعَلَهُمْ جُذَاذًا إِلَّا كَبِيرًا لَهُمْ} والفاء فيه فصيحة؛ لأنها أفصحت عن جواب شرط مقدر، تقديره: إذا عرفت ما قال إبراهيم لهم، وأردت بيان ما فعله بالأصنام .. فأقول لك: جعل إبراهيم الأصنام جذاذًا؛ أي: حطاماً رفاتاً فتاتاً قطاعاً مكسرة، إلّا كبيرا للأصنام لم يكسره، فهو (١) استثناء من مفعول قوله: {فَجَعَلَهُمْ}، و {لَهُمْ} صفة لـ {كَبِيرًا}، والضمير للأصنام؛ أي: لم يكسر الكبير وتركه على حاله، وعلّق الفأس في عنقه. وكبره في التعظيم، أو في الجثة، أو فيهما. وهذا هو الكيد الذي وعدهم {لَعَلَّهُمْ}؛ أي: لعل أولئك الضُلّال {إِلَيْهِ}؛ أي: إلى الكبير. وتقديم الظرف للاختصاص، أو لمجرد الاهتمام مع رعاية الفاصلة {يَرْجِعُونَ} فيسألونه عن كاسرها؛ أي (٢): لعل أولئك الطغاة، يرجعون إلى الكبير، كما يرجع إلى العالم، في حل المشكلات، فيقولون له: ما لهؤلاء الصغار مكسورة، ومالك صحيحًا، والفأس في عنقك، أو في يدك، وحينئذٍ يستبين لهم، أنه عاجز لا ينفع ولا يضر، ويظهر لهم أنهم في عبادتهم على جهل عظيم، وقد كان هذا بناء على ظنه في أمرهم، لما جرَّب وذاق من مكابرتهم، واعتقادهم في آلهتهم، وتعظيمهم لها، فيستجهلهم ويبكتهم بذلك.

وقيل: الضمير في {إِلَيْهِ} عائد إلى إبراهيم؛ أي: لعلهم إلى إبراهيم يرجعون، لاشتهاره بإنكار دينهم وسبّ آلهتهم وعداوتهم، فيحاججهم بقوله: بل فعله كبيرهم، فيحجهم ويبكتهم، كما في "الإرشاد" وغيره، أو لعلهم (٣) يرجعون إلى دين إبراهيم بوجوب الحجة عليهم، قاله الزجاج.

وقرأ الجمهور (٤): {جُذَاذًا} بضم الجيم. وقرأ أبو بكر الصديق وابن مسعود وأبو رزين وقتاد وابن محيصن والأعمش والكسائي: {جِذاذًا} بكسر الجيم. وقرأ أبو رجاء العطاردي وأيوب السختياني وعاصم الجحدري وابن عباس وأبو نهيك وأبو السماك {جَذاذا} بفتح الجيم. وقرأ الضحاك وابن يعمر {جَذذا}


(١) روح البيان.
(٢) المراغي.
(٣) زاد المسير.
(٤) زاد المسير والبحر المحيط.