للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

{وَمَا ظَلَمَهُمُ اللَّهُ} تعالى بعدم انتفاعهم بنفقاتهم {وَلَكِنْ أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ}؛ أي: ولكن الكفار المنفقين ظلموا أنفسهم بإنفاق الأموال في السبل التي تؤدي إلى الخيبة والخسران على النهج الذي سنه الله تعالى في أعمال الإنسان؛ لأنّ الآية نزلت فيما ينفقه أهل مكة أو ينفقه اليهود في عداوة النبي - صلى الله عليه وسلم - ومقاومته، لأنهم هم الذين اختاروا ذلك لأنفسهم، ولم يضروا النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - ومن معه بل كان ذلك سبب سيادته عليهم وتمكنه منهم.

أو المعنى (١): وما ظلمهم الله بذهاب منفعة زرعهم ونفقاتهم، ولكن أنفسهم يظلمون بالكفر، ومنع حق الله تعالى من الزرع.

وقرىء (٢) شاذا {وَلَكِنَّ} بالتشديد، واسمها {أَنْفُسَهُمْ} والخبر {يَظْلِمُونَ}، والمعنى: يظلمونها هم، وحسن حذف هذا الضمير وإن كان الحذف في مثله قليلًا كون ذلك فاصلة رأس آية؛ فلو صرح به لزال هذا المعنى، ولا يجوز أن يعتقد أن اسم {لكن} ضمير الشأن، وحذف، و {أَنْفُسَهُمْ} مفعولٌ بـ {يَظْلِمُونَ} لأنَّ حذف هذا الضمير يختص بالشعر ذكره أبو حيان.

١١٨ - {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا} نزلت هذه الآية في شأن رجال من المؤمنين يشاورون اليهود في أمورهم، لما كان بينهم من الرضاع، والحلف ظنًّا منهم أنهم ينصحون لهم في أسباب المعاش، فنهاهم الله تعالى بهذه الآية عنه كما قاله ابن عباس، أو في رجال من المؤمنين كانوا يغترون بظاهر أقوال المنافقين فيفشون إليهم الأسرار، ويطلعونهم على الأحوال، فالله تعالى منعهم عن ذلك كما قاله مجاهد.

أي: يا أيها الذين آمنوا وصدقوا بمحمد - صلى الله عليه وسلم - وما جاء به {لَا تَتَّخِذُوا} وتجعلوا لأنفسكم {بِطَانَةً}؛ أي: خواصَّ، وأصفياء، وأصدقاء تباطنونهم في الأمور وتطلعونهم على سركم كائنين {مِنْ دُونِكُمْ}؛ أي: من غيركم أي: من غير أهل ملتكم من الكفار والمنافقين {لَا يَأْلُونَكُمْ خَبَالًا}؛ أي: لا يقصرون لكم ولا يتركون جهدهم، وطاقتهم في مضرتكم، وفسادكم، وعداوتكم؛ أي: ليس عندهم


(١) تفسير ابن عباس.
(٢) البحر المحيط.