للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

في الدنيا لأجل الآخرة، وكذلك المرائي الذي لا يريد بما أنفق وجه الله تعالى؛ فإنه لا ينتفع بما ينفقه في الآخرة.

ثم ضرب مثلًا لذلك الإنفاق فقال: {كَمَثَلِ} مصاب {رِيحٍ} شديدٍ {فِيهَا}؛ أي: في تلك الريح {صِرٌّ}؛ أي: حر شديد ويسمى بالسموم أو برد شديدٌ ويسمى بالزمهرير {أَصَابَتْ} تلك الريح {حَرْثَ قَوْمٍ}؛ أي: زرع قوم، وسمي الزرع حرثًا لأنه يحرث عند زرعه {ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ} أي؛ خسروا أنفسهم بالكفر، والمعاصي، ومنع حق الله تعالى فيه {فَأَهْلَكَتْهُ}؛ أي: فأحرقت تلك الريح الزرع، كذلك الشرك يهلك النفقة كما أهلكت الريح الزرع.

ومعنى الآية (١): مثل نفقات الكفار في ذهابها، وقت الحاجة إليها كمثل زرع أصابته ريح باردة فأهلكته، أو نار فأحرقته، فلم ينتفع به أصحابه.

وقيل المعنى (٢): مثل الكفر في إهلاك ما ينفقون كمثل الريح المهلكة للزرع، أو مثل الكافر الذي أنفق أمواله في الخيرات، كبناء الرباطات كمثل من زرع زرعًا، وتوقع منه نفعًا كثيرًا، فأصابته ريح فأحرقته، فلا يبقى معه إلا الحزن والأسف.

والخلاصة (٣): أن الجوائح قد تنزل بأموال الناس من حرث ونسل عقوبةً لهم على ذنوب اقترفوها؛ إذ لا يستنكر على القادر الحكيم الذي وضع السنن، وربط الأسباب بمسبباتها في عالم الحسِّ أن يوفِّقَ بينها وبين سننه الخفية في إقامة ميزان القسط بين الناس، لهدايتهم إلى ما به كمالهم من طريق العلوم الحسية التي تستفاد من النظر، والتجربة، ومن طريق الإيمان بالغيب الذي يرشد إليه الوحي الإلهيُّ.

ونحن نسمي ما يترتب عليه حدوث الشيء سببًا له وما يلابس السبب من النفع لبعض والضر لآخرين حكمة له، وكل مقصودٌ للفاعل الحكيم.


(١) الخازن.
(٢) مراح.
(٣) مراغي.