للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وخلاصة معنى الآية: لا أحد أشدُّ ظلمًا ممن يكتم شهادةً في كتاب الله، تبِشِّرُ بأنَّ الله يبعث فيهم نبيًّا من بَنِي إخوتهم، وهم العرب أبناءُ إسماعيل، وهم لا يزالون يكتمون ذلك، فينكرون على غير المطلع على التوراة، ويحُرِّفون على المُطَّلع عليها.

١٤١ - {تِلْكَ} الجماعة المذكورة من إبراهيم، ومَنْ معه {أُمَّةٌ}؛ أي: جماعةٌ {قَدْ خَلَتْ}؛ أي: مضت وسلفت بالموت {لَهَا} جزاء {مَا كَسَبَتْ} من الأعمال خيرًا أو شرًّا {وَلَكُمْ} أيها اليهود والنصارى جزاء {مَا كَسَبْتُمْ} من الأعمال، كذلك {وَلَا تُسْأَلُونَ} أيها اليهود والنصارى يوم القيامة {عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ} في الدنيا، كما أنَّهم لا يسألون عما تعملون.

والمعنى: أنّ جماعة الأنبياء قد مضت بالموت ولها ما كسبت من الأعمال، ولكم ما كسبتم منها، ولا يُسأل أحدٌ عن عمل غيره، بل كُلُّ إنسان يسأل يوم القيامة عن كسبه وعمله، ويجازى به، فلا يضرُّه، ولا ينفعه سواه.

وهذه قاعدةٌ أقرَّتها الأديان جميعًا، وأيَّدها العقل، كما قال تعالى: {أَلَّا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى (٣٨) وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى (٣٩)} لكن غلبة الجهل جعلت الناس يعتمدون في طلب سعادة الآخرة، وبعض مصالح الدنيا على كرامات الصالحين، وساعدهم على ذلك رؤساء الأديان، فأوَّلوهم نصوص الدين اتِّباعًا للهوى، ومن ثمَّ جاء القرآن يقرِّر ارتباط السعادة بالكتب، والعمل، وينفي الانتفاع بالأنبياء والصالحين لمن لم يقتد بهم في صالح أعمالهم، وقد حاجَّ بذلك أهل الكتاب الذين يفتخرون بأسلافهم، ويعتمدون على شفاعتهم وجاههم، ليقطع أطماعهم في تلك الشفاعة. وعلينا معشر المسلمين أن نجعل نصب أعيننا، ورائدنا في أعمالنا، تلك القاعدة: الجزاء على العمل، ولا نغترَّ بشفاعة سلفنا الصالح ونجعلها وسيلةً لنا في النجاة إذا نحن قصَّرنا في عملنا، فكلٌّ من السلف والخلف مجزيٌّ بعمله، ولا ينفع أحدًا عملُ غيره، وفَّقنا الله تعالى لما يحبّه ويرضاه {يَوْمَ لَا تَمْلِكُ نَفْسٌ لِنَفْسٍ شَيْئًا وَالْأَمْرُ يَوْمَئِذٍ لِلَّهِ (١٩)}.

وبالجملة، ففي الآية: وعظٌ لليهود، ولكل من يتكل على فضل الآباء، وشرفهم، أن لا يتَّكلوا على فضل الآباء، فكلٌّ يؤخذ بعمله، ولا ينفعه غيره، وإنّما كُرِّرت هذه الآية؛ لأنّه إذا اختلف مواطن الحِجاج، والمجادلة، حسن