بهم؛ لأنّه ليس عندهم علمٌ، والاستفهام في قوله:{وَمَنْ أَظْلَمُ}؛ لإنكار أن يكون أحدٌ أظلم منه، فهو بمعنى: النفي؛ أي: لا أحد أشدُّ ظلمًا {مِمَّنْ كَتَمَ}؛ أي: ستر وأخفى عن الناس {شَهَادَةً} ثابتةً {عِنْدَهُ}؛ أي: عند من كائنةً {مِنَ اللَّهِ} تعالى، فقوله:{عِنْدَهُ} و {مِنَ اللَّهِ} صفتان لشهادة؛ أي: شهادةً حاصلةً عنده، صادرةً من الله تعالى، وهو شهادته تعالى لإبراهيم عليه السلام بدين الإِسلام، والبراءة من اليهودية، والنصرانية، وهم اليهود، وفيه تعريضٌ بكتمانهم شهادة الله لمحمد - صلى الله عليه وسلم - بالنبوَّة والرسالة في كتبهم، وسائر شهاداته، وتقدَّم الكلام في دفع المعارضة في أفعل التفضيل الجائي بعد الاستفهام، كمن عند قوله:{وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَتَمَ شَهَادَةً عِنْدَهُ مِنَ اللَّهِ} فالمراد هنا: لا أحد من الكاتمين أظلم ممن كتم شهادة الله تعالى؛ يعني: يا أهل الكتاب! قد علمتم بشهادةٍ حصلت عندكم، صادرةٍ من الله تعالى، بأنَّ إبراهيم وبنيه كانوا حنفاء مسلمين بأن أخبركم الله بذلك في كتابكم، ثم إنّكم تكتمونها، وتدَّعون خلاف ما شهد الله به في حقِّهم، فلا أحد أظلم منكم، حيث اجترأتم على تكذيب الله تعالى فيما أخبر به في شأن إبراهيم، ومن معه.
وتعليقُ الأظلمية بمطلق الكِتْمَانِ؛ للإِيمْاء إلى أنَّ مرتبة مَنْ يَدْرِيها، ويَشْهَدُ بخلافها في الظلم، خارجةٌ عن دائرة البيان. وعن ابن عباس:(أكبر الكبائر: الإشراك بالله، وشهادة الزور، وكتمان الشهادة){وَمَنْ يَكْتُمْهَا فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ} والمراد: مَسْخُ القلب، وطَبْعُه، ونعوذ بالله من ذلك {وَمَا اللَّهُ} سبحانه وتعالى {بِغَافِلٍ} أي: بساهٍ {عَمَّا تَعْمَلُونَ}(ما) موصولة عامّة لجميع ما يكتسب بالجوارح الظاهرة، والقوى الباطنة، ويدخل فيه كتمان شهادة الله دخولًا أوّليًّا؛ أي: هو سبحانه وتعالى محيط بجميع ما تأتون، وما تذرون، فيعاقبكم بذلك أشدَّ عقاب، ويجوز كونها مصدرية؛ أي: بغافلٍ عن عملكم من الكتمان، وغيره، بل محصيه عليكم، ثمّ يعاقبكم عليه في الآخرة، وفيه وعيد شديد، وتهديد ليس عليه مزيدٌ، وإعلامٌ بأنَّ الله سبحانه لا يترك عقوبتهم على الظلم القبيح، والذنب الفظيع. وقرىء {يعملون} بالياء التحتانية؛ يعني: أنَّ الله لا يترك أمركم سُدًى، بل يعذِّبكم أشدَّ العذاب، وهو محيطٌ بما تأتون، وما تذرون.