للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

{إِلَّا عَشْرًا}؛ أي: إلا عشر ليال، أو عشر ساعات استقصارًا لمدة لبثهم فيها، لزوالها؛ لأن أيام الراحة قليلة، والساعات تمر مر السحاب؛ أي: يساررون فيما بينهم، حال كونهم قائلين في السر: {إِنْ لَبِثْتُمْ} في الدنيا {إِلَّا} عشر ليال، لأنهم يرون من شدة (١) أهوال ذلك اليوم ما يقلل ذلك في أعينهم، فهم يحسبون أنهم ما لبثوا في الدنيا، أو في القبور إلا عشرة أيام مع لياليها، وهم حين يشاهدون البعث الذي كانوا ينكرونه في الدنيا، لا يتمالكون من أن يقولوا ذلك، اعترافًا به، وتحقيقًا لسرعة وقوعه، كأنهم قالوا: قد بعثتم وما لبثتم في القبور إلا مدةً يسيرة، وقوله (٢): {إِلَّا عَشْرًا} يحتمل عشر ليال، أو عشرة أيام؛ لأن المذكر إذا حذف وأبقى عدده، قد لا يؤتى بالتاء، حكى الكسائي عن أبي الجراح: صمنا من الشهر خمسًا، ومنه ما جاء في الحديث: "ثم أتبعه بست من شوال" يريد ستة أيام، وحسَّن الحذف هنا كون ذلك فاصلةً رأس آية، ودل قوله الآتي {إِلَّا يَوْمًا} على أن المراد بقولهم عشرًا: عشرة أيام، ثم لما قالوا هذا القول ..

١٠٤ - قال الله - سبحانه -: {نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَقُولُونَ} وهو مدة لبثهم {إِذْ يَقُولُ أَمْثَلُهُمْ} وأوفرهم وأوفاهم {طَرِيقَةً}؛ أي: رأيًا وعقلًا، وأعلمهم عند نفسه: {إِنْ لَبِثْتُمْ إِلَّا يَوْمًا} أي: ما لبثتم إلا يومًا واحدًا، ونسبة هذا القول إلى أمثلهم، لكونه أدل على شدة الهول، لا لكونه أقرب إلى الصدق.

١٠٥ - {وَيَسْأَلُونَكَ}؛ أي: ويسألك يا محمد مشركو مكة على سبيل الاستهزاء {عَنِ} حال {الْجِبَالِ} يوم القيامة، وقد كانوا سألوا النبي - صلى الله عليه وسلم - عن ذلك، فأمره الله - سبحانه - أن يجيب عنهم، فقال: {فَقُلْ} و (الفاء) (٣) في قوله {فَقُلْ} يا محمد: واقعة في جواب شرط مقدر تقديره: إن سألوك فقل جوابًا لهم {يَنْسِفُهَا}؛ أي: يقلعها {رَبِّي} من أصولها {نَسْفًا}؛ أي: قلعًا ثم يصيرها رملًا يسيل سيلًا، ثم يصيرها كالصوف المنفوش، تطيرها الرياح هكذا وهكذا، ثم كالهباء المنثور

١٠٦ - والضمير في {فَيَذَرُهَا} عائد إلى {الْجِبَالِ} باعتبار مواضعها؛ أي: فيذر


(١) المراح.
(٢) البحر المحيط.
(٣) الشوكاني.