للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وطول الأناة والتدبير، ومن وصل إلى هذا القدر من الفهم .. لا يقول إن السيئة تقع بشؤم أحد، بل ينسب كل شيء إلى سببه.

وفي الآية إيماء إلى أن حصيف الرأي يجب أن يطلب فقه القول دون الأخذ بالجمل والظواهر، إذ من قنع بذلك .. بقي في عماية، ويظل طول دهره غِرًّا جاهلًا بما يحيط به من نظم هذا العالم.

ووقف أبو عمرو والكسائي على قوله (١): {فما}، ووقف الباقون على {اللام} في قوله: {فمال} إتباعًا للخط، ولا ينبغي تعمد ذلك، لأن الوقف على {فما} فيه قطع عن الخبر، وعلى اللام فيه قطع عن المجرور دون حرف الجر، وإنما يكون ذلك لضرورة انقطاع النفس.

٧٩ - والخطاب في قوله: {مَا أَصَابَكَ} للنبي - صلى الله عليه وسلم -، ولكن المراد غيره؛ أي: أيُّ شيء أصابك وأتاك أيها الإنسان {مِنْ حَسَنَةٍ}؛ أي: من نعمة من النعم التي أنعم الله بها عليك {فـ} هي أتت {مِنَ اللَّهِ} سبحانه وتعالى بالذات تفضلًا وإحسانًا منه، من غير استيجاب لها من قبلك، {وَمَا أَصَابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ}؛ أي: وأيُّ شيء أصابك وأتاك من بلية من البلايا {فَمِنْ نَفْسِكَ}؛ أي: فتلك السيئة أتت من نفسك، بسبب اقترافك المعاصي الموجبة لها، وإن كان الخلق من الله، وعن عائشة - رضي الله عنها -: "ما من مسلم يصيبه وصب ولا نصب حتى الشوكة يشاكها، وحتى انقطاع شسع نعله، إلا بذنب، وما يعفو الله عنه أكثر".

وحاصل المعنى (٢): أن كل حسنة تصيبك أيها المؤمن فهي من فضل الله وجوده، فهو الذي سخر لك المنافع التي تتمتع بها وتحسن لديك، فقد سخر لك الهواء الذي يحفظ الحياة، والماء العذب الذي يمد كل الأحياء وأزواج النبات والحيوان وغيرهما من مواد الغذاء، وأنعم عليك بوسائل الراحة والهناء، وكل سيئة تصيبك فهي من نفسك، فإنك بما أوتيت من قدرة على العمل، واختيار في


(١) البحر المحيط.
(٢) المراغي.