للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

درء المفاسد، وجلب المنافع، وترجيح لبعض المقاصد على بعض، قد تخطيء في معرفة ما يسوء وما ينفع؛ لأنك لا تضبط إرادتك وهواك، ولا تحيط علمًا بالسنن والأسباب، فأنت ترجح بعضًا على بعض، إما بالهوى، أو قبل أن تحيط خبرًا بمعرفة النافع والضار، فتقع فيما يسوء.

وقد تضافرت الآثار على أن طاعة الله من أسباب النعم، وأن عصيانه مما يجلب النقم، وطاعته إنما تكون باتباع سننه، وصرف ما وهب من الوسائل فيما وهب لأجله، وهذه الآية أصل من أصول الاجتماع وعلم النفس، وفيها شفاء للناس من خرافات الوثنية، واستدراجات الطاغوتية، وكرامات الشيطانية، وارتفاع وتكريم للنفس الإنسانية.

وفي مصحف ابن مسعود (١): {فمن نفسك وإنما قضيتها عليك}، وحكى أبو عمرو أنها في مصحف ابن مسعود: {وأنا كتبتها}، وروي أن ابن مسعود وأبيًّا قرأ: {وأنا قدرتها عليك}، وعنى بالنفس هنا المذكورة في قوله: {إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ}، وقرأت عائشة رضي الله عنها: {فمَن نفسُك} بفتح الميم ورفع السين، فـ {مَن} استفهام معناه الإنكار؛ أي: فمن نفسك حتى ينسب إليها فعل، المعنى: ما للنفس في الشيء فعل.

فائدة: فإن قلت (٢) إن قوله: {مَا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللَّهِ وَمَا أَصَابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ} يعارض قوله: {كُلٌّ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ} الواقع ردًّا لقول المشركين {وَإِنْ تُصِبْهُمْ حَسَنَةٌ ...} الآية؟

فالجواب: أن قوله: {كُلٌّ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ} أي إيجادًا وقوله: {وَمَا أَصَابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ}؛ أي: من كسبك، كما في قوله تعالى: {وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ}.

والحاصل: أنك إذا نظرت إلى الفاعل الحقيقي .. فالكل منه، وإذا نظرت


(١) البحر المحيط.
(٢) الفتوحات.