إلى الأسباب .. فما هي إلا من شؤم ذنب نفسك، يوصله إليك بسبب مجازاة وعقوبة لا من محمد - صلى الله عليه وسلم -، وقال (١) بعض أهل العلم: والفرق بين {كُلٌّ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ} و {مِنَ آللهِ} أن من عند الله أعم، يقال: فيما كان برضاه وبسخطه وفيما يحصل وقد أمر به أو نهى عنه، ولا يقال: هو من الله إلا فيما كان برضاه وبأمره، وبهذا النظر قال عمر: إن أصبت .. فمن الله، وإن أخطأت .. فمن الشيطان انتهى.
وقوله:{وَأَرْسَلْنَاكَ} يا محمَّد {لِلنَّاسِ}؛ أي: إلى الناس كافة حالة كونك {رَسُولًا}؛ أي: مرسلًا إليهم بشريعتنا، بيان لجلالة منصبه ومكانته عند الله تعالى، بعد بيان بطلان زعمهم الفاسد في حقه بناء على جهلهم بشأنه الجليل؛ أي: ليس لك إلا الرسالة والتبليغ وقد فعلت ذلك وما قصرت، وليس لك دخل فيما يصيب الناس من الحسنات والسيئات؛ لأنك لم ترسل إلا للتبليغ والهداية، لا للتصرف في نظم الكون وتحويل سنن الاجتماع أو تبديلها، فما زعمه أولئك الجاهلون من أن السيئة تصيبهم بشؤمك محض خرافة، لا مستند لها من عقل أو نقل، ومخالف لما بينه الله تعالى من وظيفة الرسل.
{وَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا}؛ أي: وكفى الله سبحانه وتعالى شهيدًا على جدك وعدم تقصيرك في أداء الرسالة وتبليغ الوحي، فأما حصول الهداية فليس إليك بل إلى الله تعالى، أو كفى الله شهيدًا على أنك أرسلت للناس كافة بشيرًا ونذيرًا، لا مسيطرًا ولا جبارًا، ولا مغيرًا لنظم الكون وتحويل سنن الاجتماع أو تبديلها، {فَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَبْدِيلًا}{وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَحْوِيلًا} فلا ينبغي لأحد من الناس، عربهم وعجمهم أن يخرج عن طاعتك واتباعك.