للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

والحاصل (١): أنه لما نزل المنع من الاستغفار للمشركين، خاف المؤمنون من المؤاخذة بما صدر عنهم منه قبل المنع، وقد مات قوم منهم قبل النهي عن الاستغفار، فوقع الخوف في قلوب المسلمين على من مات منهم أنه كيف يكون حالهم، فأزال الله تعالى ذلك الخوف عنهم بهذه الآية، وبين أنه تعالى لا يؤاخذهم بعمل، إلا بعد أن يبين لهم أنه يجب عليهم أن يحترزوا عنه. والمعنى؛ أي: وما كان الله ليقضي عليكم بالضلال بسبب استغفاركم لموتاكم المشركين، بعد أن رزقكم الهداية ووفقكم للإيمان به وبرسوله، حتى يبين لكم بالوحي ما يجب الاحتراز عنه من محظورات الدين، فلا تنزجروا عما نهيتم عنه، {إِنَّ اللَّهَ} سبحانه وتعالى، {بِكُلِّ شَيْءٍ} من المعلومات {عَلِيمٌ} فيعلم حاجتهم إلى بيان قبح ما لا يستقل العقل في معرفته فبين لهم ذلك؛ أي: أنه تعالى عليم بجميع الأشياء، ومن جملتها حاجة الناس إلى البيان، فهو يبين لهم مهمات الدين بالنص القاطع حتى لا يضل فيه اجتهادهم بأهواء أنفسهم، ومن أجل هذا لم يؤاخذ إبراهيم في استغفاره لأبيه قبل أن تتبين له حاله، وكذلك لا يؤاخذ النبي، والذين آمنوا بما سبق لهم من الاستغفار لوالديهم، وأولي القربى منهم قبل هذا التبيين لحكم الله تعالى.

١١٦ - ولما منعهم من الاستغفار للمشركين، ولو كانوا أولي قربى، وذلك يستدعي التبرؤ منهم وعدم انتظار النصرة من أحد .. بين أن النصر لا يكون إلا من جهته تعالى فقال: {إِنَّ اللَّهَ} سبحانه وتعالى: {لَهُ} لا لغيره {مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} وسلطنتهما والتصرف فيهما كيف يشاء؛ أي: أنه تعالى مالك كل موجود، ومتولي أمره في السموات والأرض وهو الذي {يُحْيِي}؛ أي: يهب الحياة بمحض قدرته ومشيئته ومقتضى سننه في التكوين، {وَيُمِيتُ} من يشاء حين انقضاء أجله، {وَمَا لَكُمْ} أيها المؤمنون، {مِنْ دُونِ اللَّهِ}؛ أي: غيره، {مِنْ وَلِيٍّ} يتولى أموركم، {وَلَا} من، {نَصِيرٍ} ينصركم على أعدائكم؛ أي: وليس لكم أيها المؤمنون من يتولى أموركم، ولا من ينصركم على عدوِّكم غير الله تعالى، فلا


(١) المراح.