للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وعبر (١) عن المستقبل بلفظ الماضي للتنبيه على تحقق وقوعه، كما في قوله: {وَنُفِخَ فِي الصُّورِ} وفي (٢) هذا من تهويل الخطب ما لا يخفى؛ لأنهم إذا وقفوا عند ملك عظيم قهار لا يشاركه سواه في سلطانه كانوا على خطر، إذ لا منازع له ولا مغيث سواه، وتوصيفه بالوصفين للدلالة على أن الأمر في غاية الصعوبة، كقوله: {لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ} فإن الأمر إذا كان لواحد غلاب لا يغالب، فلا مستغاث لأحد إلى غيره ولا مستجار.

٤٩ - وبعد أن وصف سبحانه نفسه بكونه قهارًا بين عجز المجرمين وذلتهم، فقال: {وَتَرَى الْمُجْرِمِينَ}؛ أي: وتبصر يا محمد - صلى الله عليه وسلم -، أو أيها المخاطب الكافرين {يَوْمَئِذٍ}؛ أي: يوم إذ برزوا لله الواحد القهار حالة كونهم {مُقَرَّنِينَ فِي الْأَصْفَادِ}؛ أي: مشدودين في الأغلال والقيود؛ أي: حالة كون بعضهم يقرن مع بعض الأصفاد بحسب مشاركتهم في العقائد الفاسدة، أو قرنوا مع الشياطين الذين أغووهم، أو قرنت أيديهم وأرجهلهم إلى رقابهم بالأغلال والأصفاد - جمع صفد - القيود والأغلال، والجار والمجرور متعلق بـ {مُقَرَّنِينَ}، أو حال من ضميره.

٥٠ - {سَرَابِيلُهُمْ} جمع سربال؛ أي: قمصانهم {مِنْ قَطِرَانٍ} تطلى به جلودهم حتى يعود ذلك الطلاء كالسرابيل، وخصّ القطران لسرعة اشتعال النار فيه مع نتن رائحته. والقطران (٣): هو عصارة الأبهل والأرز ونحوهما. وقال بعضهم: هو ما يتحلب من الأبهل، فيطبخ فتهناء به الإبل الجربى، فيحرق الجرب بحدته، وقد تصل حرارته إلى الجوف، وهو أسود منتن يسرع فيه اشتعال النار يطلى به جلود أهل النار، يعود طلاؤه لهم كالسرابيل، ليجتمع عليهم الألوان الأربعة من العذاب: لذع القطران وحرقته، وإسراع النار في جلودهم، واللون الموحش، ونتن الريح على أن التفاوت بين القطرانين كالتفاوت بين النارين {وَتَغْشَى وُجُوهَهُمُ النَّارُ}؛ أي: تعلو وجوههم وتضربها النار وتحيط بها، وخصّ الوجوه (٤) بالذكر مع أن ذلك يكون لسائر الجسم لأنها أشرف ما في البدن وفيها الحواس المدركة


(١) الشوكاني.
(٢) المراغي.
(٣) روح البيان.
(٤) روح البيان.