وقال أبي بن كعب في معنى التبديل بأن تفسير الأرض نيرانًا والسماء جنانا. وقال أبو هريرة وسعد بن جبير ومحمد بن كعب القرظي تبدل الأرض خبزة بيضاء يأكل من تحت قدميه. وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "تكون الأرض يوم القيامة خبزة واحدة يتكفؤها الجبار سبحانه بيده، كما يتكفؤ أحدكم خبزته في السفر نزلًا لأهل الجنة". أخرجاه في "الصحيحين" بزيادة فيه.
فإن قلت: إذا فسرت التبديل بما ذكرت، فكيف يمكن الجمع بينه وبين قوله تعالى: {يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا (٤)} وهو أن تحدث بكل ما عمل عليها؟
قلتُ: وجه الجمع بين الآيتين أن الأرض تبدل أولًا صفتها مع بقاء ذاتها، كما تقدم فيومئذ تحدث أخبارها، ثم بعد ذلك تبدل تبديلًا ثانيًا، وهو أن تبدل ذاتها بغيرها، كما تقدم أيضًا، ويدل على صحة هذا التأويل ما روي عن عائشة قالت: سألت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن قوله تعالى:{يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ وَالسَّمَاوَاتُ} فأين يكون الناس يومئذ يا رسول الله؟ فقال:"على الصراط". أخرجه مسلم. وروى ثوبان أن حبرًا من اليهود سأل رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: أين يكون الناس يوم تبدل الأرض غير الأرض؟ قال:"هم في الظلمة دون الجسر" ذكره البغوي بغير سند. ففي هذين الحديثين دليل على أن تبديل الأرض ثاني مرة يكون بعد الحساب، والله أعلم بمراده وأسرار كتابه انتهى.
وقوله:{وَبَرَزُوا} معطوف على {تُبَدَّلُ}؛ أي: واذكر يا محمد لأمتك قصة يوم برز الخلائق وخرجوا جميعًا من قبورهم {لِلَّهِ}؛ أي: لحكم الله تعالى وقضائه، والوقوف بين يديه للحساب؛ أي: خرجوا من قبورهم للقاء الله. {الْوَاحِدِ} الذي لا ثاني له ولا شريك معه المنزه عن الشبه والضد والند. {الْقَهَّار}؛ أي: الغالب الذي يقهر عباده على ما يريد ويفعل ما يشاء ويحكم ما يريد. وقرأ زيد بن علي شذوذًا:{وَبَرَزُوا} - بضم الباء وكسر الراء مشددة - جعله مبنيًّا للمفعول على سبيل التكثير بالنسبة إلى العالم وكثرتهم لا بالنسبة إلى تكرير الفعل. ذكره في "البحر".