مسلم" عن عبادة بن الصامت رضي الله عنه قال: (أخذ علينا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كما أخذ على النساء: أنْ لا نشرك بالله شيئًا، ولا نسرق، ولا نزني، ولا نقتل أولادنا، ولا يعضه؛ أي: يقذف بعضنا بعضًا، فمن وفى منكم فأجره على الله تعالى، ومن أصاب من ذلك شيئًا فعوقب فهو كفارة له، ومن ستره الله .. فأمره إلى الله إن شاء عذبه وإن شاء عفا عنه).
وعن عليّ قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "من أذنب ذنبًا في الدنيا فعوقب به، فالله أعدل من أن يثني عقوبته على عبده، ومن أذنب ذنبًا في الدنيا فستره الله عليه وعفا عنه، فالله أكرم من أن يعود عليه في شيء قد عفا عنه". رواه أحمد والترمذي وابن ماجه، وقال الترمذي: حسن غريب.
٣٤ - ثم استثنى ممن يستحق العقوبة من تاب فقال:{إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا} ورجعوا من شركهم وحربهم لله ورسوله، ومن السعي في الأرض بالفساد {مِنْ قَبْلِ أَنْ تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ} أيها الولاة بالأخذ لهم، فلا سبيل لكم عليهم بشيء من العقوبات المذكورة في الآية المتقدمة. {فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ} سبحانه وتعالى: {غَفُورٌ} لهم لما فرط منهم من الشرك وغيره {رَحِيمٌ} بهم بقبول توبتهم.
والمعنى:(١) لكم أن تعاقبوا هذا العقاب الذي تقدم ذكره من قطعوا الطريق وعثوا في الأرض فسادًا إلا من تابوا إلى الله، وأنابوا إليه من قبل أن يتمكن منهم الحاكم، ويقدر على عقوبتهم، فإن توبتهم حينئذ - وهم في قوة ومنعة - جديرة بأن تكون توبة خالصة لله، صادرة عن اعتقاد بقبح الذنب، والعزم على عدم العودة إلى فعل مثله، وليس سببها الخوف من عقاب الدنيا، وإذًا فهم قد تركوا الإفساد، ومحاربة الله ورسوله، ومن ثم لا يجمع لهم بين أشد العقاب في الدنيا والعذاب في الآخرة، بل يصير أمرهم لمغفرة الله ورحمته كما قال:{فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ}؛ أي: فاعلموا أن الله غفور لما فرط من ذنوبهم، رحيم بهم يرفع العقاب عنهم، وهذه التوبة ترفع عنهم حق الله كله من عقاب في الدنيا والآخرة،