للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

يقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف إنْ اقتصروا على أخذ المال، أو ينفوا من الأرض إن أخافوا الناس وقطعوا عليهم الطرق.

وهؤلاء المفسدون ضوعفت لهم العقوبات، فالقتل العمد العدوان يوجب القتل، ويجوز لولي الأمر العفو وترك القصاص، فغلظ ذلك في قاطع الطريق، وصار القتل حتمًا لا هوادة فيه، ولا يجوز العفو عنه، وأخذ المال يتعلق به قطع اليمنى في غير قاطع الطريق بقطع الطرفين، وإن جمعوا بين القتل وأخذ المال .. جمع في حقهم بين القتل والصلب؛ لأن بقاءهم مصلوبين في ممر الطرق يكون سببًا لاشتهار إيقاع هذه العقوبة، فيصير ذلك زاجزًا لغيرهم عن الإقدام على مثل هذه المعصية، وإن اقتصروا على مجرد الإخافة عوقبوا بعقوبة خفيفة، وهي النفي من الأرض.

ثم بين آثار هذه العقوبة في الدنيا والآخرة فقال: {ذَلِكَ} الجزاء المذكور فيهم من القطع، والقتل، والصلب، والنفي. {لَهُمْ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ}؛ أي: ذل وهوان وفضيحة للمحاربين المذكورين في الدنيا بين الناس ليكونوا عبرة وعظة لغيرهم من المسلمين {وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ}؛ أي: شديد هو عذاب النار، وبقدر تأثير إفسادهم في تدنيس نفوسهم، وتدسيتها، وظلمة أرواحهم بما اجترحت من الذنوب والآثام.

واستحقاق الأمرين إنما هو للكافر (١)، وأما المسلم: فإنَّه إذا أقيم عليه الحد في الدنيا .. سقطت عنه عقوبة الآخرة، فالآية محمولة على الكافر، أو إن فيها تقديرًا في قوله: {وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ} إلخ؛ أي: إذا لم تقم عليه الحدود المذكورة؛ لأنَّ (٢) المسلم إذا عوقب بجناية في الدنيا .. كانت عقوبته كفارة له، وإن لم يعاقب في الدنيا فهو في خطر المشيئة، إنْ شاء عذبه بجنايته ثم يدخله الجنة، وإن شاء عفا عنه وأدخله الجنة، هذا مذهب أهل السنة. ففي (٣) "صحيح


(١) الجمل.
(٢) الخازن.
(٣) ابن كثير.