للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

لبن لم يتغير طعمه، وأنهار من عسل مصفى، وأنهار من خمر لذة للشاربين. وقوله {ثَوَابًا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ} مصدر مؤكد لمعنى قوله: {وَلَأُدْخِلَنَّهُمْ} والمعنى: ولأثيبن هؤلاء المذكورين بالثواب المذكور إثابةً كائنةً من عند الله؛ أي: من فضل الله وإحسانه إليهم، لا وجوبًا عليه {وَاللَّهُ} سبحانه وتعالى {عِنْدَهُ حُسْنُ الثَّوَابِ}؛ أي: الثواب الحسن، والجزاء الموفر، وهي الجنة التي فيها ما لا عين رأت، ولا أذن سمعَت، ولا خطرَ على قلب بشر، وهذا تأكيد لكون ذلك الثواب الذي أعطاهم من فضله، وكرمه؛ لأنه جواد كريم.

وقد وعد (١) الله تعالى هؤلاء الموصوفينَ بالصفات السابقة بأمور ثلاثة:

الأول: هو السيئات، وغفران الذنوب، ودل على ذلك بقوله: {لَأُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ} وذلك ما طلبوه بقولهم: {فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئَاتِنَا}.

الثاني: إعطاء الثواب العظيم، وهو قوله: {وَلَأُدْخِلَنَّهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ} وهذا ما طلبوه بقولهم {وَآتِنَا مَا وَعَدْتَنَا عَلَى رُسُلِكَ}.

والثالث: أن يكون هذا الثواب عظيمًا مقرونًا بالتعظيم والإجلال، وهو قوله: {مِنْ عِنْدِ اللَّهِ}، وهذا ما طلبوه بقولهم، {وَلَا تُخْزِنَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ}. والمعنى: لأكفرن عنهم سيئاتهم، ولأدخلنهم الجنات، ولأثيبنهم بذلك ثوابًا من الله لا يقدر عليه غيره. ولما قال بعض المؤمنين: إن أعداء الله فيما نرى من الخير، والسعة، والتمتع، والتقلب في البلاد في أسفارهم للتجارة، والمكاسب، ونحن في الجهد، والضيق، والفقر، والجوع ..

١٩٦ - نزل قوله تعالى: {لَا يَغُرَّنَّكَ}، والخطاب فيه لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - والمراد غيره من الأمة؛ لأنه - صلى الله عليه وسلم - معصوم عن الاغترار بذلك، والمعنى: لا يخدَعَنَك، ولا يغرنك أيها المخاطب {تَقَلُّبُ الَّذِينَ كَفَرُوا}؛ أي: تنقلهم وضَرْبهُم في البلاد، وأرجاء الأرض، وأَمْنهم في تقلباتهم للتجارات، وطلب الأرباح، والمكاسب وتَبسُّطهم في المعاش والملاذ.

وخلاصة المعنى: لا يغرنكم أمنهم على أنفسهم وتصرفهم {فِي الْبِلَادِ} كيف


(١) المراغي.