للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

المدينة، وفارقوا أوطانَهم التي ولدوا فيها طلبًا لرضا الله ورسوله - صلى الله عليه وسلم - {وَأُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ}؛ أي: ألجأهم الكفار إلى الخروج من منازلهم التي تربوا فيها {وَأُوذُوا فِي سَبِيلِي} وديني، وطاعتي؛ أي: آذاهم وأضرهم المشركون بسبب إيمانهم باللهِ، وعملهم بما شرعه الله تعالى لعباده، وهم المهاجرون الذين أخرجهم المشركون من مكة، فهاجر طائفة إلى الحبشة، وطائفة إلى المدينة قبل هجرة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وبعد هجرته. فلما استقر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في المدينة رجع إليه من كان هاجر إلى الحبشة من المسلمين {وَقَاتَلُوا} الكفار أعداءَ الله، وجاهدوهم لإعلاء كلمة الله، ونصر دينه مع رسوله - صلى الله عليه وسلم - {وَقُتِلُوا} بالبناء للمفعول؛ أي: واستشهدوا في جهاد الكفار.

وقرأ (١) جمهورُ السبعة {وَقَاتَلُوا وَقُتِلُوا} وقرأ حمزة، والكسائي {وقتلوا وقاتلوا} يبدآنِ بالمبني للمفعول، ثم بالمبني للفاعل فتتخرَج هذه القراءة على أن الواو لا تدل على الترتيب، فيكون الثاني وقع أولًا، ويجوز أن يكون ذلك على التوزيع، فالمعنى قتل بعضهم، وقاتل باقيهم. وقرأ عمر بن عبد العزيز {وقتلوا وقتلوا} ببناء الأول للفاعل، وبناء الثاني للمفعول، وهي قراءة حسنة في المعنى مستوفية للحالين على الترتيب المتعارف، وقرأ محارب بن دثار {وقتلوا} بفتح القاف {وقاتلوا} وقرأ طلحة بن مصرف {وقتلوا وقاتلوا} بضم القاف الأولى، وتشديد التاء، وهي في التخريج كالقراءة الأولى. وقرأ أبو رجاء والحسن {وقاتلوا وقتلوا} بتشديد التاء، والبناء للمفعول؛ أي: قطعوا في المعركة.

واللام في قوله {لَأُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ} جواب قسم محذوف، والقسم وجوابه خبر عن قوله: {فَالَّذِينَ هَاجَرُوا}؛ أي: لأمحون عنهم ذنوبهم، ولأغفرنها لهم؛ أي: وعزتي وجلالي، لأسترن ذنوبَ هؤلاء الموصوفين بالصفات السابقة بمحض فضلي {وَلَأُدْخِلَنَّهُمْ جَنَّاتٍ} وبساتينَ {تَجْرِي} وتسيل {مِنْ تَحْتِهَا} أي من تحت أشجارها وقصورها {الْأَنْهَارُ}؛ أي: أنهار من ماء غير آسن، وأنهار من


(١) البحر المحيط.