١٣ - {شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ} شروع في تفصيل ما أجمله، أولًا بقوله:{كَذَلِكَ يُوحِي إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ} اهـ "خطيب". والخطاب في {لَكُمْ} لأمة محمد - صلى الله عليه وسلم -؛ أي: بين وأوضح وسن لكم من التوحيد، ودين الإسلام، وأصول الشرائع والأحكام، سنةً وطريقًا واضحًا؛ أي: سن الله سبحانه لكم، يا أمة محمد - صلى الله عليه وسلم -، {مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا} عليه السلام؛ أي (١): أمر به نوحًا من التوحيد الذي لم يختلف فيه الرسل، وتوافقت عليه الكتب، أمرًا مؤكدًا، فإن التوصية معربة عن تأكيد الأمر، والاعتناء بشأن المأمور به؛ لأن الوصية التقديم إلى الغير بما يعمل به، مقترنًا بوعظه، وقدم نوحًا لأنه أول أنبياء الشريعة، فإنه أول من أُوحي إليه الحلال والحرام، وأول من أوحي إليه تحريم الأمهات والأخوات والبنات وسائر ذوات المحارم، فبقيت تلك الحرمة إلى الآن {وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ} يا محمد - صلى الله عليه وسلم -؛ أي: وشرع لكم يا أمة محمد - صلى الله عليه وسلم - الذي أوحينا إلى نبيكم - صلى الله عليه وسلم - من القرآن، وشرائع الإسلام، والبراءة من الشرك، والتعبير عنه بالموصول، لتفخيم شأنه.
وتغيير التوصية إلى الإيحاء في جانب النبي - صلى الله عليه وسلم -، للتصريح برسالته قطعًا لإنكار الكفرة، والالتفات إلى نون العظمة لإظهار كمال الاعتناء بإيحائه، وهو السر في تقديمه على ما بعده، مع تقدمه عليه زمانًا، وتقديم توصية نوح، للمسارعة إلى بيان كون المشروع لهم دينًا قديمًا، والتعبير بالأصل في الموصولات، وهو الذي في جانب نبينا محمد - صلى الله عليه وسلم - للتعظيم، وتوجيه الخطاب إليه - صلى الله عليه وسلم - بطريق التلوين للتشريف، والتنبيه على أنه تعالى، شرعه لهم على لسانه {وَ} شرع الله لكم أيضًا {مَا وَصَّيْنَا}؛ أي: أمرنا {بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى} ابن مريم - على نبينا، وعليهم الصلاة والسلام - أمرًا أكيدًا.
وحكمة تخصيص هؤلاء الخمسة بالذكر هنا، أنهم أكابر الأنبياء، ومشاهيرهم، من أولى العزم، وأصحاب الشرائع العظيمة، والأتباع الكثيرة.