ولا لاحق بهم، وأنهم ممتعون باعمار طوال في سلامة وأمن، فقال تعالى:{أَفَبِعَذَابِنَا يَسْتَعْجِلُونَ} أشرًا وبطرًا واستهزاءً واتكالًا على الأمل الطويل.
ثم قال: هو أن الأمر كما يعتقدون من تمتيعهم وتعميرهم، فإذا لحقهم الوعيد بعد ذلك ما ينفعهم حينئذ ما مضى من طولى أعمارهم، وطيب معايشهم؛ أي: هل (١) الأمر كما يعتقدون من عيشهم في النعيم، فأخبرني أن متعناهم في الدنيا برغد العيش، وصافي الحياة، ثم جاءهم بعد تلك السنين المتطاولة ما كانوا يوعدون به من العذاب، فهل ما كانوا فيه من النعيم يدفع عنهم شيئًا منه، أو يخففه عنهم.
والخلاصة: أن طول التمتع ليس بدافع شيئًا من عذاب الله سبحانه، وكأنهم لم يمتعوا بنعيم قط، كما قال تعالى: {كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَهَا لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا عَشِيَّةً أَوْ ضُحَاهَا (٤٦)}، وقال:{يَوَدُّ أَحَدُهُمْ لَوْ يُعَمَّرُ أَلْفَ سَنَةٍ وَمَا هُوَ بِمُزَحْزِحِهِ مِنَ الْعَذَابِ أَنْ يُعَمَّرَ} يُعَمرَ، وقال: {وَمَا يُغْنِي عَنْهُ مَالُهُ إِذَا تَرَدَّى (١١)}.
وعن ميمون بن مهران أنه لقي الحسن البصري في الطواف بالكعبة وكان يتمنى لقاءه، فقال: عظني، فلم يزده على تلاوة هذه الآية، فقال: ميمون لقد وعظت فأبلغت.
وروي أن عمر بن عبد العزيز كان يقرأ هذه الآية كل صباح إذا جلس على سريره تذكرًا واتعاظًا. وقال يحيى بن معاذ: أشد الناس غفلة من اغتر بحياته الفانية، والتذ بموداته الواهية، وسكن إلى مألوفاته.
كان الرشيد حبس رجلًا، فقال الرجل للموكل عليه: قل لأمير المؤمنين كل يوم مضى من نعمتك ينقص من محنتي، والأمر قريب، والموعد الصراط، والحاكم الله، فخر الرشيد مغشيًا عليه، ثم أفاق وأمر بإطلاقه.
٢٠٨ - ثم بين سبحانه أنه لا يهلك قرية إلا بعد الإنذار، وإقامة الحجة عليها،