للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

نظام هذا العالم وما ينتهي إليه، وكما أعلم ما بعده من أمر الآخرة والحساب والجزاء، فإذا نصحت لكم، وأنذرتكم عاقبة شكركم من إنزال العذاب بكم في الدنيا إذا جحدتم وعاندتم .. فإنما أنصح لكم عن علم يقيني لا تعلمونه. قال ابن (١) عطية: وما أحسن سياق هذه الأفعال، قال أولا: {أُبَلِّغُكُمْ رِسالاتِ رَبِّي}، وهذا مبدأ أمره معهم؛ وهو التبليغ كما قال: {إِنْ عَلَيْكَ إِلَّا الْبَلاغُ}، ثم قال: {وَأَنْصَحُ لَكُمْ}؛ أي: أخلص لكم في تبيين الرشد والسلامة في العاقبة إذا عبدتم الله وحده، ثم قال وأعلم من الله ما لا تعلمون من بطشه بكم، وهو مآل أمركم إذا لم تفردوه بالعبادة، فنبه على مبدأ أمره ومنتهاه معهم. انتهى.

٦٣ - والهمزة في قوله: {أَوَعَجِبْتُمْ} للاستفهام الإنكاري التوبيخي داخلة على محذوف، والواو عاطفة ما بعدها على ذلك المحذوف؛ أي: أكذبتم وعجبتم من {أَنْ جاءَكُمْ ذِكْرٌ}؛ أي: موعظة ووحي كائن {مِنْ رَبِّكُمْ}؛ أي: من مالك أموركم {عَلى} لسان {رَجُلٍ مِنْكُمْ}؛ أي: من جنسكم تعرفونه، ولم يكن ذلك على لسان من لا تعرفونه، أو لا تعرفون لغته، فإنهم كانوا يتعجبون من نبوة نوح عليه السلام، ويقولون: لو شاء ربنا لأنزل ملائكة. وقوله: {لِيُنْذِرَكُمْ} علة للمجيء؛ أي: جاءكم ليحذركم، ويخوفكم عاقبة الكفر والمعاصي. وقوله: {وَلِتَتَّقُوا} عبادة غير الله علة ثانية مرتبة على التي قبلها. وقوله: {وَلَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ}؛ أي: ولكي ترحموا بالتقوى، فلا تعذبوا علة ثالثة مرتبة على التي قبلها، وهذا الترتيب في غاية الحسن، فإن المقصود من البعثة الإنذار، والمقصود من الإنذار التقوى عن كل ما لا ينبغي، والمقصود من التقوى الفوز بالرحمة في دار الآخرة.

وفائدة حرف الترجي هنا (٢): التنبيه على عزة المطلب، وأن التقوى غير موجبة للرحمة، بل هي منوطة بفضل الله تعالى، وأن المتقي ينبغي أن لا يعتمد على تقواه، ولا يأمن عذاب الله تعالى. والمعنى: أكذبتم وعجبتم من أن جاءكم ذكر وموعظة من ربكم على لسان رجل منكم، ليحذركم عاقبة كفرهم، ويعلمكم


(١) البحر المحيط.
(٢) الكرخي.