ملجأك وذخرك، وفوض إليه أمرك، واستسلم له، واصبر على ما نابك فيه، فإنه كافيك وناصرك ومبلغك ما تريد، ونزّهه عما يقوله هؤلاء المشركون من الصاحبة والولد، فهو الواحد الأحد الذي لم يلد ولم يولد، كما تنزهه عن الأنداد والشركاء من الأصنام والأوثان، فهو لا كفء له ولا ند، ولم يكن له كفوًا أحد.
وفي قوله:{الْحَيِّ} إيماء إلى أنه لا ينبغي أن يتوكل على من لم يتصف بالحياة من صنم أو وثن، ولا على من لا بقاء له ممن يموت؛ لأنه إذا مات ضاع من توكل عليه، وحكي عن بعض السلف أنه قرأ هذه الآية فقال: لا ينبغي لذي لب أن يثق بعدها بمخلوق.
ثم أنذرهم وحذّرهم بأن ربهم محص أعمالهم عليهم، ومجازيهم عليها يوم القيامة، فقال:{وَكَفَى بِهِ} سبحانه. الباء زائدة للتأكيد؛ أي: حسبك الحي الذي لا يموت، وقوله:{بِذُنُوبِ عِبَادِهِ} ما ظهر منها وما بطن متعلق بقوله: {خَبِيرًا}؛ أي: مطلعًا عليها بحيث لا يخفى عليه شيء منها، فيجزيهم جزاء وافيًا، أراد أنه ليس إليه من أمور عباده شيء آمنوا أم كفروا، وأنه خبير بأحوالهم كاف في جزاء أعمالهم.
والمعنى: أي وحسبك بالحي الذي لا يموت حالة كونه خبيرًا بذنوب خلقه ما ظهر منها وما بطن، فهو لايخفى عليه شيء منها، وهو محصيها عليهم، ومجازيهم عليها، إن خيرًا فخير، وإن شرًا فشر، فلا عليك إن آمنوا أو كفروا، وفي هذا تسلية لرسوله - صلى الله عليه وسلم - ووعيد لأولئك الكافرين على سوء أفعالهم وإعراضهم عن اتباع رسوله ومناصبته العداء، وكأنه قيل: إذا أقدمتم على مخالفة أمره كفاكم علمه في مجازاتكم بما تستحقون من العقوبة، وفي "الأخبار": كفى بك ظفرًا أن يكون عدوك عاصيًا. وهي كلمة يراد بها المبالغة، تقول: كفى بالعلم جمالًا، وكفى بالأدب مالًا؛ أي: هو حسبك لا تحتاج معه إلى غيره؛ لأنه خبير بأحوالهم، قادر على مكافأتهم.
٥٩ - ولما أمره بالتوكل والتسبيح، وذكر صفة الحياة الدائمة .. ذكر ما دل على القدرة التامة؛ وهو إيجاد هذا العالم، فقال:{الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ} محل