شر وجده، والأمر بآخره، ألا ترى أن هؤلاء المذكورين، لما صار آخر أمرهم التكذيب أوخذوا عليه، ولو صار آخر أمرهم التصديق لسومحوا فيما صدر عنهم أولًا.
والحاصل: أنهم لما عاشوا على الإصرار هلكوا على العذاب، ويحشرون على ما ماتوا عليه، ولذا يقولون عند القيام من قبورهم: واويلاه، فقد وعظ الله سبحانه بهذه الآيات أهل مكة، ومن جاء بعدهم إلى يوم القيامة، ليعتبروا وينتفعوا بعقولهم، ويجتنبوا عن الظلم والأذى والاستكبار والإفساد، فإن فيه الصلاح والنجاة والفوز بالمراد، لكن التربية والإرشاد إنما تؤثر في المستعد من العباد، والقرآن كالبحر، وإنما يتطهر به من كان من شأنه ذلك، كالإنسان، وأما الكلب فلا. نسأل الله سبحانه الخروج من موطن النفس، والإقامة في حظيرة القدس.
٤١ - {مَثَلُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا} وجعلوا لأنفسهم {مِنْ دُونِ اللَّهِ} سبحانه {أَوْلِيَاءَ} وآلهة وأنصارًا يوالونهم، ويتكلون عليهم في حاجاتهم من دون الله سبحانه، سواء كانوا من الجماد أو الحيوان، ومن الأحياء أو من الأموات؛ أي: صفتهم العجيبة فيما اتخذوه معتمدًا وملجأً {كَمَثَلِ الْعَنْكَبُوتِ} التي {اتَّخَذَتْ} ونسجت لنفسها {بَيْتًا}؛ أي: كمثلها فيما نسجته في الوهن، بل ذلك أوهن من هذا؛ لأن له حقيقة وانتفاعًا في الجملة.
فالآية (١) من قبيل تشبيه الهيئة بالهيئة لتشبيه حال من اتخذ الأصنام أولياء وعبدها، واعتمد عليها راجيًا نفعها وشفاعتها بحال العنكبوت التي اتخذت بيتًا، فكما أن بيتها لا يدفع عنها حرًا ولا بردًا، ولا مطرًا ولا أذًى، وينتقض بأدنى ريح، فكذلك الأصنام لا تملك لعابديها نفعًا لا ضرًا، ولا خيرًا ولا شرًا.
ومن تخيل السراب شرابًا، لم يلبث إلا قليلًا حتى يعلم أنه كان تخييلًا، ومن اعتمد شيئًا سوى الله، فهو هباء لا حاصل به، وهلاكه في نفس ما اعتمد. ومن اتخذ سواه ظهيرًا، قطع من نفسه سبيل العصمة، ورد إلى حوله وقوته.