للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

٢ - {وَمِنْهُمْ مَنْ أَخَذَتْهُ} وأهلكته {الصَّيْحَةُ}؛ أي: صيحة جبريل كمدين وثمود، حين قامت عليهم الحجة، ولم يؤمنوا، بل استمروا في طغيانهم وكفرهم، وتهددوا نبي الله صالحًا ومن آمن معه، فصاح بهم جبريل صيحة واحدة فانشقت قلوبهم، وزهقت أرواحهم، وأخمدت منهم الأصوات والحركات.

٣ - {وَمِنْهُمْ مَنْ خَسَفْنَا بِهِ الْأَرْضَ} كقارون وأصحابه الذي طغى وبغى، وعصى الرب الأعلى، ومشى في الأرض مرحًا، وتاه بنفسه عجبًا، فخسف الله به وبداره الأرض، وهو الجزاء الوفاق لعمله؛ لأن المال الكثير يوضع غالبًا تحت الأرض.

٤ - {وَمِنْهُمْ مَنْ أَغْرَقْنَا} في الماء، كقوم نوح أغرقوا بالطوفان، وفرعون وهامان وجنودهما، أغرقوا في صبيحة يوم واحد.

ثم بيَّن أن هذه العقوبة جزاء ما اجترحوا من الآثام والذنوب، ولم تكن ظلمًا لهم، فقال: {وَمَا كَانَ اللَّهُ} سبحانه {لِيَظْلِمَهُمْ} بما فعل بهم، بأن يضع العقوبة في غير موضعها، فإن ذلك محال في جهته تعالى؛ لأنه قد أرسل إليهم رسله، وأنزل عليهم كتبه، وبين لهم طريق الحق والنجاة {وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ} باستمرارهم على الكفر، وتكذيبهم للرسل، وعملهم بالمعاصي الموجبة للعقوبة والعذاب.

والمعنى: أي ولم يكن الله ليهلكهم بغير جرم اجترموه؛ لأن ذلك ليس من سننه تعالى، وهو لا يوافق منهج الحكمة، فلا يصدر عن الحكيم، ولكنه أهلكهم بذنوبهم وكفرهم بربهم، وجحودهم نعمه عليهم، وتقلبهم في آلائه، وعبادتهم غيره، ومعصيتهم من أنعم عليهم.

قال وهب بن منبه (١): قرأت في بعض الكتب حلاوة الدنيا مرارة الآخرة، ومرارة الدنيا حلاوة الآخرة، وظمأ الدنيا ريُّ الآخرة، وريُّ الدنيا ظمأ الآخرة، وفرح الدنيا حزن الآخرة، وحزن الدنيا فرح الآخرة، ومن قدَّم شيئًا من خير أو


(١) روح البيان.