وقوله:{وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ}؛ أي: ويمنعون الناس عن الدخول في دين الله، بمعاداة النبي - صلى الله عليه وسلم - والمؤمنين، معطوفٌ على {بَطَرًا} على كلا التأويلين.
والمعنى: ولا تكونوا كالذين خرجوا من ديارهم بطرين مرائين، صادين عن سبيل الله، أو خرجوا للبطر والرياء والصد عن سبيل الله تعالى. والصد: إضلال الناس، والحيلولة بينهم وبين طرق الهداية، ويجوز أن يكون {وَيَصُدُّونَ} معطوفًا على {خَرَجُوا} والمعنى: يجمعون بين الخروج على تلك الصفة والصد عن سبيل الله.
وإنّما ذكر البطر والرياء بصيغة الاسم، والصد بصيغة الفعل؛ لأنَّ أبا جهل ورهطه كانوا مجبولين على المفاخرة والرياء، وأما صدهم عن سبيل الله .. فإنّما حصل في الزمان الذي ادَّعى فيه النبي - صلى الله عليه وسلم - النبوة. {والله} سبحانه وتعالى: {بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ} بعلمه؛ أي: عالم بما جاؤوا لأجله؛ أي: إنَّه تعالى عالم بجميع الأشياء، ظواهرها وبواطنها, لا يخفى عن علمه شيءٌ؛ لأنه محيط بأعمال العباد كلِّها، فيجازي المحسنين ويعاقب المسيئين.
٤٨ - وفي هذا زجر شديد، وتهديد أكيد على الرياء والتصنع والبطر والكبرياء، وأنه سيجازي عليها أشد الجزاء {و} اذكروا أيها المؤمنون نعمة الله تعالى عليكم {وَإِذْ زَيَّنَ} وحسن {لَهُمُ}؛ أي: لهؤلاء المشركين {الشَّيْطَانُ}؛ أي: إبليس بوسوسته {أَعْمَالَهُمْ} الخبيثة، في معاداة النبي - صلى الله عليه وسلم - والمؤمنين، وخروجهم من مكة، فإن المشركين حين أرادوا السير والخروج إلى بدر .. خافوا من بني بكر بن كنانة؛ لأنهم كانوا قتلوا منهم رجلًا واحدًا قبل ذلك، فلم يأمنوا أن يأتوهم من ورائهم، فتصوَّر لهم إبليس بصورة سراقة بن مالك بن جعشم - وهو من بني بكر بن كنانة، وكان من أشرافهم - في جندٍ من الشياطين، ومعه رايةٌ. {وَقَالَ} إبليس للمشركين: {لَا غَالِبَ لَكُمُ الْيَوْمَ مِنَ النَّاسِ}؛ أي: لا غالب عليكم اليوم من بني كنانة ومن محمد - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه؛ أي: وقال لهم بما ألقاه في قلوبهم، وخيل إليهم أنهم لا يغلبون لكثرة عددهم وعددهم، وأوهمهم أن اتباعهم إياه فيما يظنون قربات، حتى قالوا: اللهم انصر إحدى الفئتين، وأفضل الدينين.