وسميت الفدية عدلًا؛ لأنّها تعادل ما يقصد إنقاذه وتخليصه، يقال: فداه إذا أعطى فداءه فأنقذ {وَلَا تَنْفَعُهَا شَفَاعَةٌ} شافع؛ لأنّها كفرت بالله {وَلَا هُمْ يُنْصَرُونَ}؛ أي: يمنعون من عذاب الله تعالى؛ أي: ولا الكفار ينصرون فيه؛ أي: يمنعون فيه ممَّا يريد الله بهم من الانتقام الأليم؛ أي: لا يدفع عنهم أحدٌ عذاب الله، ولا يجيرهم من سطوة عذابه.
والمعنى: أي: واتقوا يا معشر بني إسرائيل! المبدِّلين كتابي، المحرِّفين له عن وجهه، المكذّبين برسولي محمد - صلى الله عليه وسلم - عذاب يوم لا تقضي فيه نفسٌ عن نفس شيئًا من الحقوق التي لزمتها، فلا تؤخذ نفسٌ بذنب أخرى، ولا تدفع عنها شيئًا. وفي "الصحيحين": "يا فاطمة بنت محمد! سليني من مالي ما شئت! لا أغني عنك من الله شيئًا" ولا يؤخذ فيه من نفسٍ فديةٌ تنجو بها من النار، إذ هي لا تجد ذلك لتفتدي به، ولا يشفع فيما وجب عليها من حقٍّ شافع، وقد كانوا يعتقدون بالمكفرات تؤخذ فديةٌ عمَّا فرَّطوا فيه، وبشفاعة أنبيائهم لهم، فأخبرهم الله تعالى أنّه لا يقوم مقام الاهتداء به شيءٌ آخر، وأنّهم لا يأتيهم ناصر ينصرهم، فيمنع عذاب الله عنهم إذا نزل بهم، وهذا ترهيبٌ لمن سلفت عظتهم في الآية قبلها.
١٢٤ - {و} اذكر يا محمد! لقومك قصّة {إذ ابتلى} اختبر وكلَّف {إبراهيم} عليه السلام، وهو اسم أعجميٌّ معناه: أبٌ رحيمٌ، قال السهيليُّ: وكثيرًا ما يقع الاتفاق بين السرياني والعربي، أو تقاربه في اللفظ ألا ترى: أن إبراهيم تفسيره: أب رحيم؛ لمرحمته بالأطفال {رَبُّهُ} سبحانه وتعالى، والضمير لإبراهيم، وقُدّم المفعول لفظًا وإن كان مؤخّرًا رتبةً؛ لاتصال الفاعل بضميرٍ يعود عليه؛ وللاهتمام به، فإنّ الذهن يتشوَّق، ويطلب معرفة المبتلى، والابتلاء في الأصل: الامتحان والاختبار، والتكليف بالأمر الشاقِّ؛ ليُعلم ما جُهل من حال الإنسان، من جودته، أو رداءته، ولكن ابتلاء الله سبحانه لعباده ليس ليعلم ما خفي عليه من أحوالهم؛ لأنّه عالم بجميع المعلومات التي لا نهاية لها على سبيل التفصيل من الأزل إلى الأبد؛ ولكن ليعلم العباد أحوالهم من ظهور جودة أو رداءة، فالمراد هنا: عامله معاملة المختبر؛ ليظهر ذلك للخلق، فاختبر إبراهيم، فظهر صدقه، وإبليس، فظهر كذبه؛ أي: واذكر وقت اختباري إبراهيم، والمقصود من ذكر