الوقت، ذكر ما، وقع فيه من الحوادث؛ لأنَّ الوقت مشتملٌ عليها، فإذا استحضر كانت حاضرةً بتفاصيلها، كأنّها مشاهدةٌ عيانًا {بِكَلِمَاتٍ}؛ أي: اختبره، وكلَّفه بأوامر ونواهٍ {فَأَتَمَّهُنَّ} إبراهيم، وأدَّاهُنَّ أحسن التأدية، وقام بهنّ حقَّ القيام من غير تفريط، ولا تقصير، ولا توان، ولذا قيل: لم يُبْتَلَ أحدٌ بهذا الدين، فأقامه كلَّه إلا إبراهيم، فكتب الله له البراءة، فقال:{وَإِبْرَاهِيمَ الَّذِي وَفَّى} والقرآن الكريم لم يعيِّن تلك الكلمات، ولذلك اختلف المفسّرون في تفسير تلك الكلمات التي ابتلى الله بها إبراهيم عليه السلام، فقال عكرمة عن ابن عباس: هي ثلاثون من شرائع الإسلام: عشرٌ في براءة {التَّائِبُونَ الْعَابِدُونَ ...} إلخ. وعشرٌ في الأحزاب {إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ ...} إلخ. وعشرٌ في المؤمنون إلى قوله:{وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَوَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ} وفي سأل: {وَالَّذِينَ هُمْ بِشَهَادَاتِهِمْ قَائِمُونَ}. وقال طاووس عن ابن عباس: ابتلاه الله بعشرة أشياء هي: الفطرة: خمسٌ في الرأس الشامل للوجه: قص الشارب، والمضمضة، والاستنشاق، والسواك، وفرق الرأس، وخمس في الجسد: تقليم الأظافر، ونتف الإبط، وحلق العانة، والختان، والاستنجاء بالماء؛ أي: غسل مكان الغائط والبول بالماء، وأمَّا بالحجر، فهو من خصائص هذه الأمّة. كانت فرضًا في شرعه، وهي سنة في شرعنا، وقال قتادة: هي مناسك الحج؛ أي: فرائضه، وسننه، كالطواف، والسعي، والرَّمى، والإحرام، والتعريف، وغيرهنَّ.
وقال الحسن: ابتلاه الله بذبح ولده، فصبر على ذلك، وابتلاه بالنظر في الكواكب، والشمس والقمر، إقامةً للحجة على قومه، فأحسن النظر في ذلك، وعرف أن ربّه دائم لا يزول، ثمّ ابتلاه بالهجرة من وطنه، فخرج مهاجرًا إلى الله، ثم ابتلاه بالإلقاء في النار، فصبر عليها، وبالختان بعد الكبر، فصبر عليه، وهذا القول الأخير أرجح ما قيل هنا، وفي الخبر: أنّ إبراهيم أوّل من قصّ الشارب، وأوّل من اختتن، وأوّل من قلّم الأظفار، وأوّل من رأى الشيب، فلمّا رآه قال: يا ربّ! ما هو؟ قال: الوقار، قال: يا ربّ! زدني وقارًا.
وقرأ الجمهور {إِبْرَاهِيمَ} بالألف والياء. وقرأ ابن عامر بخلاف عن ابن ذكوان في البقرة بألفين، زاد هشام أنّه قرأ كذلك في إبراهيم والنحل ومريم