وهذه الجبال متصلة بالطبقة الصوانية التي هي أبعد طبقات الأرض عن سطحها، وتلك الطبقة تضم في جوفها كرة النار المشتعلة التي في باطنها، وظاهرها هذه القشرة التي نحن عليها.
٣ - {وَأَسْقَيْنَاكُمْ مَاءً فُرَاتًا}؛ أي: عذبًا جدًّا بأن خلقنا فيها أنهارًا ومنابع؛ أي: جعلناه سقيًا لكم، ومكناكم من شربه، وكذا من سقيه دوابكم ومزارعكم، وسمي نهر الكوفة فراتًا للذته. وقال أبو الليث: ماء عذبًا من السماء والأرض، ويقال: الفرات للواحد والجمع، وتاؤه أصل، والتنكير للتفخيم كما سيأتي، أو لإفادة التبعيض؛ لأنَّ في السماء ماء فراتًا أيضًا، بل هي معدنه ومصبه.
والمعنى (١): أي وأسقيناكم ماء عذبًا فراتًا تشربون منه، إمّا آتيا من السحاب الذي حفظته الجبال بارتفاعها، وإمّا من العيون النابعات منها، ويمدها الثلج الذي يذوب شيئًا فشيئًا فوق ظهر الأرض متنزلًا إلى بطنها متجهًا إلى عيونها الجارية.
٢٨ - {وَيْلٌ}؛ أي: عذاب عظيم {يَوْمَئِذٍ}؛ أي: يوم إذ وقع ما توعدون {لِلْمُكَذِّبِينَ} في الدنيا بامتثال هذه النعم العظيمة.
٢٩ - وقوله:{انْطَلِقُوا ...} إلخ، مقول لقول مقدر تقديره: يقال يومئذٍ للمكذّبين على سبيل التوبيخ والتقريع: انطلقوا واذهبوا، والقائلون هم خزنة النار وزبانية جهنم {إِلَى مَا كُنْتُمْ} في الدنيا {بِهِ تُكَذِّبُونَ} من العذاب، و {بِهِ} متعلق بـ {تُكَذِّبُونَ} قدّم عليه لرعاية رؤوس الآية.
والمعنى: أي تقول لهم خزنة جهنم حينئذٍ: اذهبوا إلى ما كنتم تكذّبون به من العذاب في الدنيا.
٣٠ - ثم بين هذا العذاب، ووصفه بجملة صفات:
١ - {انْطَلِقُوا} واذهبوا خصوصًا {إِلَى ظِلٍّ}؛ أي: إلى ظل دخان نار جهنم كقوله تعالى: {وَظِلٍّ مِنْ يَحْمُومٍ (٤٣)}؛ أي: دخان غليظ أسود. {ذِي ثَلَاثِ شُعَبٍ}؛ أي: ذي ثلاث ذوائب، جمع شعبة يتشعّب لعظمه ثلاث شعب كما هو شأن الدخان العظيم، تراه يتفرف ذوائب؛ أي: انطلقوا إلى ظل من دخان جهنم، قد سطع ثم