للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

قرأ الجحدري (١): {أيمسكها على هوان أم يدسها} بالتأنيث عودًا على قوله: بالأنثى، أو على معنى ما بُشِّر به، ووافقه عيسى على قراءة، هوان على وزن فعال، وقرأت فرقة: {أيمسكه} بضمير التذكير {أم يَدُسُّها} بضمير التأنيث، وقرأت فرقة: {على هون} بفتح الهاء، وقرأ الأعمش: {على سوء}، وهي عندي تفسير لا قراءة، لمخالفتها السواد المجمع عليه.

٦٠ - ثم جعل تذييلا لما تقدم قوله: {لِلَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ}؛ أي: للذين لا يصدقون بالمعاد والثواب والعقاب من المشركين الذين ذكرت قبائحهم {مَثَلُ السَّوْءِ}؛ أي: الصفة القبيحة من حاجتهم إلى الولد ليقوم مقامهم بعد موتهم، وتفضيلهم للذكور للاستظهار بهم، ووأدهم للبنات خشية العار أو الفقر، وذلك يومئ إلى العجز والقصور والشح البالغ أقصى غاية.

{وَلِلَّهِ} سبحانه وتعالى {الْمَثَلُ الْأَعْلَى}؛ أي: الصفة العليا العجيبة الشأن، وهي صفة الألوهية المنزهة عن صفات المخلوقين، وهي أنه الواحد المنزه عن الولد، وأنه لا إله إلَّا هو، وله صفات الكمال والجلال من القدرة والعلم والإرادة ونحو ذلك، {وَهُوَ الْعَزِيزُ}؛ أي: المنيع الذي لا يغالب، فلا يضره نسبتهم إليه ما لا يليق به، {الْحَكِيمُ} الذي لا يفعل إلا ما تقتضيه الحكمة البالغة.

٦١ - ثم لمَّا حكى سبحانه عن القوم عظيم كفرهم .. بين سعة كرمه وحلمه، حيث لم يعاجلهم بالعقوية، ولم يؤاخذهم بظلمهم فقال: {وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللَّهُ} فاعل هنا بمعنى فعل؛ أي: ولو أخذ الله سبحانه وتعالى {النَّاسَ}؛ أي: الكفار أو جميع العصاة {بِظُلْمِهِمْ}؛ أي: بسبب كفرهم ومعاصيهم .. {مَا تَرَكَ عَلَيْهَا}؛ أي: على الأرض المدلول عليها بالناس، وبقوله: {مِنْ دَابَّةٍ}؛ لأنها ما يدب على الأرض، وتقول العرب (٢): فلان أفضل من عليها، وفلان أكرم من تحتها، فيردون الكناية إلى الأرض والسماء من غير سبق ذكر، لظهور الأمر بين يدي كل


(١) البحر المحيط.
(٢) روح البيان.