للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

يدسه في التراب، فيفعل ما ظهر له من الأمرين، فالعرب (١) كانوا مختلفين في قتل البنات، فمنهم من يحفر الحفيرة ويدفنها فيها إلى أن تموت، ومنهم من يرميها من شاهق جبل، ومنهم من يغرقها، ومنهم من يذبحها، وهم كانوا يفعلون ذلك تارةً للغيرة والحمية، وتارةً خوفًا من الفقر ولزوم النفقة، ولقد بلغ بهم المقت إلى أن يهجر بعضهم البيت الذي فيه المرأة إذا ولدت أنثى، {أَلَا} حرف تنبيه {سَاءَ} لإنشاء الذم؛ أي: انتهبوا واستمعوا ما أقول لكم: ساء وقبح {مَا يَحْكُمُونَ}؛ أي: ما يحكم هؤلاء المشركون في حق الله تعالى، وفي حق أنفسهم، حيث أضافوا البنات التي يكرهونها إلى الله سبحانه، وأضافوا البنين المحبوبين عندهم إلى أنفسهم، والمخصوص بالذم حكمهم هذا.

والمعنى: أي وإذا (٢) بشر أحد هؤلاء الذين جعلوا لله البنات بولادة أنثى .. ظل وجهه مسودًا كئيبًا من الهم، ممتلئًا غيظًا وخنقًا من شدة ما هو فيه من الحزن، يتوارى من الناس خجلًا واستحياءً، ولا يود أن يراه أحد من مساءته بما بشِّر بها، ويدور بخلده أحد أمرين: إما أن يمسكها ويبقيها بقاء ذلة وهوان، فلا يورثها ولا يعني بها، بل يفضل الذكور عليها، وإما أن يدسها في التراب، ويدفنها وهي حية، وذلك هو الوأد المذكور، في قوله تعالى: {وَإِذَا الْمَوْءُودَةُ سُئِلَتْ (٨) بِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ (٩)}.

ومعنى قوله: {أَلَا سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ}؛ أي: بئس (٣) ما قالوا، وبئس ما قسموا، وبئس ما نسبوه إليه، فإنهم بالغوا في استنكاف من البنت من وجوه:

١ - اسوداد الوجه.

٢ - الاختفاء من القوم من شدة نفرتهم منها.

٣ - أنهم يقدمون على قتلها ووأدها خشية العار، أو خوف الجوع والفقر.


(١) المراح.
(٢) المراغي.
(٣) المراغي.