والمماليك والخدم والدواب، وفي هذا إيماء إلى أن الله يرزقهم وإياهم، لا أنهم يرزقون منهم، وفي ذلك عظيم المنة، وجزيل الفضل والعطاء وواسع الرحمة لعباده.
وخلاصة هذا: أنه سبحانه يسر لكم أسباب المكاسب وصنوف المعايش، وسخر لكم الدواب التي تركبونها، والأنعام التي تأكلونها، والعبيد التي تستخدمونها، فكل أولئك رزقهم على خالقهم لا عليكم، فلكم منها المنفعة، ورزقها على الله تعالى، وهذا في غاية الامتنان.
وقرأ الجمهور:{مَعَايِشَ} بالياء، وقرأ الأعرج، وخارجة عن نافع:{مَعائش} وبالهمز، وهي شاذَّةٌ كما سيأتي في مبحث التصريف إن شاء الله تعالى.
٢١ - {وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ} إن نافية، وما مزيدة للتأكيد، وهذا التركيب عام لوقوع النكرة في حيز النفي مع زيادة (من)، ومع لفظ (شيء) المتناول لكل الموجودات، الصادق على كل فرد منها، والخزائن: جمع خزانة، وهو المكان الذي يحفظ نفائس الأموال، وذكر الخزائن تمثيل لاقتداره تعالى على كل مقدور؛ أي: وما كل الممكنات {إِلَّا عِنْدَنَا خَزَائِنُهُ}؛ أي: إلا هي مقدورةٌ لنا ومملوكة، نخرجها من العدم إلى الوجود، بمقدار معلوم كيف نشاء، أو المراد بالخزائن: مفاتيحها؛ أي: وما شيء من أرزاق العباد إلا عندنا مفاتيحه، نعطيها كيف نشاء من البسط والقبض.
والخلاصة: أي ما من شيء ينتفع به العباد إلا ونحن قادرون على إيجاده، والإنعام به متى أردنا دون أن يكون تأخير ولا إبطاء، فخزائن ملكنا مليئة بما تحبون من النفائس، غير محجوبة عن الباحث الساعي إلى كسبها من وجوهها، بحسب السنن التي وضعناها، والنظم التي قدرناها، ولا يمنعها مانع، ولا يستطيع دفعها دافع، فهي تحت قبضة الطالب إذا أحسن المسعى، وأحكم الطلب، كما قال:{فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ}. {وَمَا نُنَزِّلُهُ}؛ أي: وما ننزل ذلك الشيء من السماء إلى الأرض، أو نوجده للعباد {إِلَّا بِقَدَرٍ مَعْلُومٍ}؛ أي: إلا بمقدار معلوم وحساب معين، والقدر بمعنى المقدار.