للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

دينك؛ لأنهم يجدون عندك بهذا السبب مأكولًا وملبوسًا، وإلا فهم فارغون عن دينك، فقال الله تعالى: إن كان الأمر كما يقولون .. فما يلزمك إلا اعتبار الظاهر، وإن كان لهم باطن غير مرضي عند الله .. فحسابهم عليه لازم لهم لا يتعدى إليك، كما أن حسابك عليك لا يتعدى إليهم.

فائدة: واحتج (١) الطاعنون في عصمة الأنبياء عليهم الصلاة والسلام بهذه الآية، فقالوا: إن النبي - صلى الله عليه وسلم - لما همَّ بطرد الفقراء عن مجلسه لأجل الأشراف .. عاتبه الله تعالى على ذلك ونهاه عن طردهم، وذلك يقدح في العصمة لقوله: {فَتَطْرُدَهُمْ فَتَكُونَ مِنَ الظَّالِمِينَ}. والجواب عن هذا الاحتجاج أن يقال: إن النبي - صلى الله عليه وسلم - ما طردهم ولا هم بطردهم لأجل الاستخفاف بهم، والاستنكاف من فقرهم، وإنما كان هذا الهم لمصلحة، وهي التلطف بهؤلاء الأشراف في إدخالهم في الإِسلام، فكان ترجيح هذا الجانب أولى عنده، وهو اجتهاد منه، فأعلمه الله تعالى أن إدناء هؤلاء الفقراء أولى من الهمِّ بطردهم، فقربهم وأدناهم منه. وأما قوله: {فَتَطْرُدَهُمْ فَتَكُونَ مِنَ الظَّالِمِينَ} فإن الظلم في اللغة: وضع الشيء في غير موضعه، فيكون المعنى: إن أولئك الفقراء الضعفاء يستحقون التعظيم والتقريب، فلاتهم بطردهم عنك، فتضع الشيء في غير موضعه، فهو من باب ترك الأفضل والأولى، لا من باب ترك الواجبات، والله أعلم.

٥٣ - {وَكَذَلِكَ}؛ أي: ومثل ذلك الفتون المتقدم {فَتَنَّا}؛ أي: ابتلينا {بَعْضَهُمْ}؛ أي: بعض الناس؛ أي: الأغنياء الكفار {بِبَعْضٍ} منهم؛ أي: بالفقراء المسلمين؛ أي: ابتلينا الغني بالفقير، والفقير بالغني، والشريف بالوضيع، والوضيع بالشريف، فكل أحد مبتلى بضده، فأولئك الكفار الرؤساء والأغنياء كانوا يحسدون فقراء الصحابة على كونهم سابقين إلى الإِسلام مسارعين إلى قبوله، فقالوا: لو دخلنا في الإِسلام لوجب علينا أن ننقاد لهؤلاء الفقراء المساكين، وأن نعترف لهم بالتبعية، فامتنعوا من الدخول في الإِسلام لذلك، واعترضوا على الله في جعل أولئك الفقراء رؤساء في الدين، وأما فقراء


(١) الخازن.