{إِلَّا إِنَاثًا} بسكون المثلثة، وأصله وثنًا، فاجتمع في هذا اللفظ ثمان قراءات {إِنَاثًا} و {أنْثَى} و {أنَثًا} و {أوثانًا} و {وَثَنًا} و {أثَنًا} و {أُثُنًا}.
{وَإِنْ يَدْعُونَ إِلَّا شَيْطَانًا مَرِيدًا}؛ أي: وما يعبدون بعبادتها إلا شيطانًا، شديد التمرد والبعد عن طاعة الله، إذ هو الذي أمرهم بعبادتها، وأغراهم بها، فكانت طاعتهم له في ذلك عبادةً له،
١١٨ - {لَعَنَهُ اللَّهُ} سبحانه وتعالى؛ أي: طرده الله عن كل خير، وأبعده عن رحمته وفضله، فإنه داعية كل شر وباطل في نفس الإنسان، بما يوسوس في صدره ويعده ويمنيه {وَقَالَ}؛ أي: الشيطان عندما لعنه الله تعالى: وعزتك {لَأَتَّخِذَنَّ مِنْ عِبَادِكَ نَصِيبًا مَفْرُوضًا}؛ أي: لأجعلن لنفسي من عبادك حظًّا مقدرًا معينًا، وهم الذين يتبعون خطوات الشيطان ويقبلون وساوسه، وروي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال:"من كل ألف واحد لله، وسائره للناس ولإبليس". وقيل: النصيب المفروض هو ما للشيطان في نفس كل أحد من الاستعداد للشر، إذ ما من إنسان إلا يشعر من نفسه بوسوسة الشيطان، فإن لم يكن بالشرك فبالمعصية والإصرار عليها، أو الرياء في العبادة، لكن الله أخبر أنه ليس له سلطان على عباده المخلصين، وقد جاء في القرآن والحديث ما يدل على هذا.
والخلاصة: أن الشيطان خلق متمردًا على الحق، بعيدًا من الخير، مغرى بإغواء البشر وإضلالهم.
١١٩ - {وَلَأُضِلَّنَّهُمْ} عن طريق الهدى، {وَلَأُمَنِّيَنَّهُمْ}؛ أي: ولألقين في قلوبهم الأماني الكاذبة، وهي تورث شيئين: الحرص والأمل، وهما يستلزمان أكثر الأخلاق الذميمة، ويلازمان للإنسان، وفي الحديث:"يهرم ابن آدم ويشبُّ معه اثنان: الحرص والأمل". فالحرص يستلزم ركوب الأهوال، فإذا اشتد حرصه على الشيء .. فقد لا يقدر على تحصيله إلا بمعصية الله وإيذاء الخلق، وإذا طال أمله .. نسي الآخرة، وصار غريقًا في الدنيا، فلا يكاد يقدم على التوبة، ولا يكاد يؤئر فيه الوعظ، فيصير قلبه كالحجارة أو أشد قسوة.
وقيل: إضلال الشيطان لمن يضلهم هو صرفهم عن العقائد الصحيحة،